samedi 11 juillet 2009

الحركة الإحتجاجية بمنطقة الحوض المنجمي بتونس توجه أصبع الإتهام لخيارات الدولة الإقتصادية والإجتماعية وتطالب بتنمية أعدل

بشير لعبيدي وعدنان الحاجي عضوا "اللجنة المحلية" المؤطرة للحركة الإحتجاجية بالرديف أمام التحقيق
مثل الرفيق بشير لعبيدي، وهو عضو قيادي في الحزب الإشتراكي اليساري، يوم 8 جويلية 2008، أمام حاكم التحقيق بالمحكمة الإبتدائية بقفصة من أجل:
- تكوين وفاق قصد التحضير لارتكاب اعتداء على الأشخاص والأملاك العامة والخاصة.
- الإضرار بأملاك الغير.
- قطع السبل العمومية ومنع الجولان.
- صنع وحيازة آلات ومواعين محرقة ورميها على أملاك الغير.
- رمي مواد صلبة على موظف عمومي حال مباشرته لوظيفته والإعتداء عليه بالعنف الشديد.
- إحداث الهرج والتشويش بالطريق العام.
- الإنخراط في عصابة والمشاركة في تكوين وفاق قصد التحضير لارتكاب اعتداء على الأشخاص والأملاك العامة والخاصة والمشاركة في عصيان دعي إليه بخطب ألقيت بمحلات عمومية واجتماعات عامة وبمعلقات وإعلانات ومطبوعات.
ودام الإستنطاق حوالي الثلاث ساعات دفع فيها الرفيق جميع التّهم الموجهة إليه وكشف عن المتسببين الحقيقيين في الأزمة وأعلن تمسّكه بشرعيّة تحرّك أهالي الحوض المنجمي وأهالي الرديف.
وقد تمّ إيقافه، يوم 1 جويلية 2008 صحبة ابنه مظفر لعبيدي، تلميذ بالسّنة الرابعة تعليم ثانوي. وكان غسان لعبيدي ابنه الأكبر، طالب بكلّية العلوم بالمنستير، تعرض لسوء المعاملة عند إيقافه ليلة المداهمة ممّا استوجب نقله إلى المستشفى بعد إطلاق سراحه، خاصة وأنه يعاني من مرض عضال.
وأحيل المناضل اليساري والنقابي عدنان الحاجي، في 23 جوان الماضي، على حاكم التحقيق بنفس التهم. وأشار المحامون إلى أن منوبهم قد تعرض للضغط المادي والمعنوي عند إيقافه وإجباره على الإمضاء على محضر دون قراءته. وتقدموا بطلب تأجيل التحقيق إلى يوم 26 جوان. فكان لهم ذلك. وأصدر حاكم التحقيق بطاقة إيداع بالسجن في شأنه. غير أن التحقيق تأجل ثانية إلى يوم السبت 28 جوان، يوم انعقاد الجلسة العامة للمحامين، مما أدى إلى حضور محام واحد تولى الدفاع عنه.
وقد تكون الإيقافات في أوساط نشطاء الحركة الإحتجاجية بالرديف تجاوزت المائة، حسب عديد الأوساط المتتبعة للوضع في الجهة.
حصلت هذه الإنعطافة في الوضع بعد أن قطعت أشواط في المفاوضات بين "اللجنة" والأطراف المعنية تبعث على الأمل وفتحت باب الإنفراج، خاصة بعد إمضاء ثلاث اتفاقيات مع مناولة نقل الفسفاط والبلدية وأخيرا مع الـ"سوغاص". كيف حدث ذلك؟
أقدم شاب، والده عضو بالمجلس البلدي، يوم 5 جوان 2008 على تحريض مجموعة من الصبية لرمي أعوان الأمن بالحجارة، مؤكدا بأنه لن يكف طالما لم يمكن من تكوين "شركة مناولة". وعلى إثر ذلك تمّت محاصرة العديد من الأحياء وملاحقة الفارين من المواطنين والشباب الذين فاجأهم هذا التوتر غير المفهوم في الوضع. لكن رغم نداءات التهدئة التي توجه بها أعضاء اللجنة إلى المواطنين فقد تسارعت الإحداث في اتجاه الأسوأ حيث تكثفت المداهمات والملاحقات والمواجهات التي بلغت ذروتها بإطلاق عيارات من الذخيرة الحية سقط على إثرها قتيل وحوالي 25 جريح.
ونشير إلى أنه كلما تقدمت المفاوضات وتوصلت اللجنة إلى اتفاق مع أي طرف إلا وظهر عمل استفزازي لتعطيل المسار والعودة به إلى نقطة الصفر ودفع السلطة إلى الخيار الأمني في معالجة الوضع. فقد أقدمت بعض عائلات معروفة في معتمدية الرديف بنصب خيام على سكة القطار وفي مراكز العمل بالشركة لتعطيل الإنتاج والمواصلات. وحصل السلوك نفسه بأم العرائس. كما عمدت بعض الأوساط في الرديف إلى تجنيد مجموعات من الشباب لرمي أعوان الأمن بالحجارة ليلا كي تجبرهم على رد الفعل والدخول في مواجهة مع الأهالي. أما الذي وقع في المتلوي وأم العرائس فهو أخطر مما شهدته الإستفزازات، إلى ذلك الحين، حيث عمدت مجموعات إلى إضرام النار في إطارات مطاطية في الطريق العام ورمي مراكز الأمن والمعتمديتين بالحجارة.
ولفهم التطورات التي شهدتها الأوضاع ومختلف القوى المتدخلة نرى أنه لا بد من العودة إلى انطلاق التحركات التي دامت حوالي الستة أشهر.

ما هو الإطار القانوني الذي سمح لعديد الأطراف
بالتدخل في الإنتدابات بشركة فسفاط قفصة؟
ينص الفصل23 من الباب الثالث فيما يتعلق بالإنتدابات بشركة فسفاط قفصة على ما يلي:
بمناسبة كل انتداب وعند تعادل الكفاءة ومجموع عدد النقاط في مناظرة أو امتحان أو اختبار فإن الأولوية تفتح حسب الترتيب التالي:
1- للأعوان القدامى الذين وقع رفتهم بحسب حذف وظائفهم أو التنقيص في عدد الأعوان.
2- إلى أبناء الأعوان العاجزين عن العمل بسب حادث شغل أو مرض مهني وإلى أبناء المتقاعدين.
3- إلى أبناء أعوان الشركة وخاصة منهم ضعاف الحال حيث تراعى الحالة الإجتماعية في هذا الصدد.
وتضبط كيفية تطبيق هذه الأحكام في محضر جلسة بين الإدارة العامة وممثلي الأعوان. ويتم آليا انتداب أحد أبناء عائل ضحية حادث شغل أو مرض مزمن قاتل.
واعتمادا على هذا الفصل القانوني وقعت نقابات المناجم مع إدارة شركة فسفاط قفصة اتفاقا نص على انتداب عدد من الأعوان بنسبة 20% من عدد المتقاعدين تمنح للحالات الإجتماعية المنصوص عليها في القانون يتم النظر في شأنها من قبل نقابات المناجم تحت إشراف الإتحاد الجهوي وجامعة المناجم والسلط الجهوية.
وقد استأثرت هذه الأطراف في الإنتدابات السابقة بالحصص كاملة فتقاسمتها دون احترام ما نص عليه قانون الشركة المذكور أعلاه أو مراعاة الحالات الإجتماعية المزرية التي كانت عليها بعض العائلات من ضحايا حوداث الشغل.
وقد ارتفعت العديد من الأصوات منددة بهذا الحيف واحتج المواطنون بأشكال مختلفة.

نتائج دورة 2007 وتفجّر الإحتجاج في منطقة المناجم وتكوين "اللجنة" بالرديف
على إثر الإعلان عن مناظرة في دورة 2007 لانتداب أعوان جدد بشركة فسفاط قفصة استبشر أهالي الحوض المنجمي خيرا وشارك أبناؤهم بالآلاف عسى أن يكون الحظ حليفهم فيحصلون على شغل. لكن النتائج خيبت الآمال وكانت سببا في اندلاع حركة احتجاجية واسعة في منطقة المناجم.
فقد تميزت في المظيلة بقطع الطرقات وإضرام النار في الإطارات المطاطية في الشوارع واحتجاز مسؤول وجرت مصادمات مع الأمن وإيقاف عدد من المحتجين...إلخ.
وفي أم العرائس نصبت الخيام على السكة وفي مداخل مراكز العمل ونظمت مسيرات احتجاجية ومواجهات مع قوات الأمن وإضراب عن الطعام قامت به مجموعة من المعطلين عن العمل ومن المطرودين ومن الذين تعرضوا لحيف أو اضطهاد.
وحدثت تحركات مشابهة بالمتلوي تدخل فيها الكاتب العام للإتحاد الجهوي بنفسه لينبه المحتجين والمضربين عن الطعام بخطورة ما أقدموا عليه وحذرهم بأنه لن يتبنى تشغيل أي فرد من عائلة من انساق وراء حركة الإحتجاج.
وفي الرديف تم تنظيم مسيرات احتجاجية وإضراب عن الطعام قام به عدد من المعطلين عن العمل واعتصام مفتوح لعدد آخر بدار الإتحاد المحلي. كما حصلت اشتباكات بين المحتجين وقوات الأمن. وحتى لا تتحول مظاهر الإحتجاج إلى فوضى وتصادم مع قوات الأمن وأمام انسحاب نقابات المناجم من مقر الإتحاد المحلي تشكلت لجنة محلية لتأطير التحركات وضمان صلة التحاور بين المحتجين والسلط المسؤولة سواء أكانت محلية أو جهوية أو مركزية.
ولقيت "اللجنة المحلية" مساندة جميع الهياكل النقابية بالمعتمدية التي توجهت بعريضة إلى الأمين العام للإتحاد العم التونسي للشغل والكاتب العام للإتحاد الجهوي بقفصة وإلى جميع السلط المعنية من أجل إلغاء نتائج المناظرة وفتح تحقيق جدي في التلاعب بها.
كما لقيت اللجنة مساندة ودعم جموع غفيرة من المواطبين، أتت لحضور الإجتماعات العامة وساهمت في حركة الإحتجاجات وحمتها من التجاوزات الفوضوية والإستفزازات بشتى أنواعها.

نتائج إيجابية أسفر عنها أول لقاء بين"اللجنة المحلّية" والسيد معتمد الرديف
بتكليف من السيد والي قفصة عقد السيد معتمد الرديف جلسة تفاوض مع "اللجنة المحلية" التي تقدمت له بتقرير مكتوب رصدت فيه التجاوزات المرتكبة في نتائج المناظرة وتقدمت له بمقترحات للتجاوز وإعادة الأمور إلى نصابها.
وفي اليوم الخامس لانطلاق الحركة الإحتجاجية تمت دعوة "اللجنة المحلية" من قبل السيد المعتمد لإبلاغها بالنتائج وبالقرارات التي اتخذتها السلط المسؤولة. وهي كما يلي:
1- إلغاء شكل المناظرة في المستقبل ليصبح الإنتداب في شركة فسفاط قفصة حسب الملفات تنظر فيها لجنة محلية.
2- إلغاء حصة النقابيين.
3- مراجعة نتائج المناظرة.
4- إسناد 17 موطن شغل لأصحابها.
وعلى إثر ذلك عقدت "اللجنة" اجتماعا طارئا بجميع الإطارات النقابية والمضربين عن الطعام والمعتصمين والمساندين وتم الإتفاق بالإجماع على تعليق الإضراب والإعتصام وجميع أشكال الإحتجاج ومتابعة تنفيذ نتائج المفاوضات مع السلط المحلية والجهوية في إطار الشفافية والمصداقية.
واعتبر المجتمعون أن هذه النتائج مكسبا لأهالي الرديف وكافة أهالي الحوض المنجمي.

من يقف ضد الإتفاقات ويعمل على إفشالها؟
لما كانت "اللجنة" تعرض نتائج المفاوضات التي أمدها بها السيد المعتمد جندت بعض الأوساط المعروفة لدى السلط الجهوية والمحلية ولدى السلط الأمنية مجموعة من الشباب تحت جناح الظلام رشقت قوات الأمن بالحجارة، من أجل دفعها إلى رد الفعل والهجوم على المواطنين بمن فيهم المجتمعين في مقر الإتحاد المحلي للشغل بالرديف. وقد تكرر هذا الصنيع عدة ليال. وتصدت "اللجنة المحلية" لهذه الإستفزازات ونددت بالواقفين وراءها ممن لم يرضيهم الحل والنتائج التي كانت في غير صالحهم وكانت في صالح أهالي الحوض المنجمي. وهؤلاء هم الذين دأبوا لسنوات خلت على اقتسام حصص فرص التشغيل التي توفرها شركة فسفاط قفصة، سواء أكانت عن طريق المناظرة أو المخصصة للحالات الإجتماعية.
وفي 19 جانفي 2008 انعقد مجلس جهوي للإتحاد الجهوي بقفصة أعلن فيه الكاتب العام عن تمسكه بـ"حصة النقابيين" من الإنتدابات للشغل بشركة فسفاط قفصة واعتبرها "مكسبا لا يمكن التفريط فيه" وأكد بأن "التشغيل سيتم كما أردنا وكما نريد نحن في المستقبل" واتهم أطرافا في السلطة تعمل مع بعض النقابيين "للتشويش على الإتحاد وعلى مصداقيته" واقترح في نهاية كلمته إضرابا جهويا لتعطل المفاوضات وترك للهيئة الإدارية الجهوية تحديد موعده.
وكان نقابيو الرديف قد حضروا فعاليات المجلس الجهوي ودافعوا عن وجهة نظرهم وشرحوا للحاضرين ما أصدروه من بيانات وما تظمنته مداخلاتهم من حقائق حول ما يحدث من تلاعب بملف الإنتدابات بشركة فسفاط قفصة.
وحالما انتهت أشغال المجلس الجهوي فوجئت الرديف بمجموعات من عائلات معروفة وعناصر مشبوهة تنصب خياما على سكة القطار وفي مراكز العمل بالشركة لتعطيل الإنتاج والمواصلات، تماما كما حدث ذلك في 5 جانفي 2008 بأم العرائس. ومن أجل إرباك المسؤولين وضعت على الخيام صورا لرئيس الدولة. والجدير بالملاحظة هو أن هذه الخيام من الحجم الكبير لا يملكها أي مواطن. وهؤلاء المنتصبون يرفضون الحوار مع أي كان وهم باقون في أماكنهم إلى غاية صدور أوامر لهم بإخلاء المكان.
وفي 22 جانفي 2008 عقد الكاتب العام للإتحاد الجهوي مجلسا جهويا قطاعيا لنقابات المناجم صدرت عنه لائحة بـ12 مطلبا في مقدمتها: الإسراع بإدماج الناجحين في المناظرة بالشركة، تلته مطالب "الخيام" التي عطلت الإنتاج لما يزيد عن 19 يوما.
وظل الوضع على حاله بين أخذ ورد: عدم تنفيذ الإتفاقات وتجمعات أمام مقر الإتحاد المحلي.

التراجع عن الإتفاقات وإيقاف عدنان الحاجي وبشير لعبيدي وعدد من نشطاء الحركة الإحتجاجية
صدر يوم 7 أفريل 2008 قرار من الرئيس المدير العام لشركة فسفاط قفصة في شكل رزنامة تشغيل تتصدرها قائمة الناجحين في المناظرة. مما يعني التراجع صراحة عن الإتفاقات التي حصلت بين اللجنة والسيد معتمد الرديف بعد موافقة والي الجهة. ورغم أن مثل هذا التراجع قد أثار قلق المواطنين والنشطاء، إلا أن اتفاقا حصل بين الجميع على ضرورة الحذر والتريث وملازمة اليقظة تجاه الإستفزازات خاصة وأن طبول الحل الأمني كانت تدق وكان أعضاء اللجنة يتوقعون أن يتم إيقافهم بين الفينة والأخرى.
وفي الليلة الفاصلة بين 6 و7 أفريل أقدم بعض الشبان على قذف مركز الشرطة بالرديف بالحجارة ثم انسحبوا ولا أحد يعلم وجهتهم. وكان أهالي المدينة و"اللجنة المحلية" في غفلة مما حدث تلك الليلة. وما يبعث على الظن أن هذه المجموعة قامت بفعلتها بدفع من بعض الأوساط التي تعمل على إفشال الإتفاقات هو أن هذه الحادثة الإستفزازية استغلت مباشرة لتفعيل "الخيار الأمني"، الذي كان بصدد الإنضاج.
وفعلا حلت مباشرة بعد "الحادثة" أعداد غفيرة ومتنوعة من قوات الأمن التي أقدمت في الصباح الباكر والناس نيام على اقتحام بعض المنازل والقبض على مجموعة من الشباب وصل عددها الـ23 شابا. لقد استيقظت مدينة الرديف على وضع غير عادي، حيث كان التواجد الأمني كثيفا وقد أغلقت المنافذ المؤدية إلى مقر الإتحاد المحلي للشغل. وحالما حل الرفيق عدنان الحاجي بالمكان ليستفسر عن الإيقافات التي حصلت وكان صحبة المناضلين بوجمعة شريطي وعادل الجيار، انقض عليهم أعوان الأمن وأمعنوا في ضربهم والتنكيل بهم ونقلوهم بمعية المناضل الطيب بنعثمان إلى منطقة قفصة أين تعرضوا للضرب والإهانة وسوء المعاملة.
لقد جرت عملية إيقاف عدنان الحاجي ورفاقه من جموع المواطنين. فدخلت مجموعات من شباب المدينة المنخرط في حركة الإحتجاج في مناوشات مع قوات الأمن. وأعلنت السيدة جمعة الحاجي، رغم حالتها الصحية الحرجة، دخولها في إضراب جوع أمام مقر الإتحاد المحلي. وقررت نقابة التعليم الأساسي ونقابة التعليم الثانوي ونقابة الصحة ونقابة التأطير التربوي ونيابة المالية الدخول في إضراب مفتوح ابتداء من صبيحة 7 أفريل 2008.
وفي صبيحة يوم 8 أفريل 2008 تم إيقاف الرفيق بشير لعبيدي على مرأى من زملائه المعتصمين بمدرسة حي النور. وقد تعرض هو الآخر للضرب والإهانة والتنكيل وأصبح أشد ضراوة في منطقة الأمن بقفصة.
وتواصلت مداهمات المنازل يوم 8 أفريل للقبض على الذين توجد أسماؤهم بالقائمات الأمنية. وكانت الليلة الفاصلة بين 8 و9 أفريل ليلة ترويع الأهالي بامتياز حيث تمت مداهمة المنازل بأحياء العمايدة وزمرة وحي السوق والنزلة. وقد تعرض الأهالي إلى العنف المادي واللفظي ولم يسلم إلا من بات ليلته خارج منزله معتصما بالجبل.
وفي 9 أفريل 2008 تمكن وفد حقوقي من دخول المدينة المحاصرة يتألف من السادة عبدالرحمان لهذيلي عضو الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والهادي بن رمضان رئيس فرع الرابطة بجندوبة وشكري الذويبي وعلي الحبيب وعمر قويدر أعضاء فرع توزر نفطة ومسعود الرمضاني ورشيد الشملي عن اللجنة الوطنية لمساندة أهالي الحوض المنجمي. وقد لاحظ الوفد أن الدكاكين مغلقة وقوات الأمن منتشرة بكثافة وشاحنات المياه الساخنة مرابطة قرب المعتمدية أين تجمع مئات من المواطنين والمواطنات رافعين شعارات تطالب بإطلاق سراح الموقوفين. وحاول الوفد لقاء السيد المعتمد دون جدوى.
وفي مساء يوم 9 أفريل 2008 أطلق سراح عدد من الموقوفين من بينهم بوجمعة شريطي وعادل الجيار.
وفي 10 أفريل 2008 قامت حوالي 200 إمرأة بمظاهرة طالبن فيها بإطلاق سراح الموقوفين. وفي نفس اليوم تم إطلاق سراح كافة الموقوفين. فاستقبلتهم مدينة الرديف استقبالا يعبر عن الثقة التي وضعتها فيهم.
وفي 12 أفريل 2008 بعث المسؤول عن النظام الداخلي للإتحاد العام التونسي للشغل إرسالية للمسؤول النقابي عدنان الحاجي يعلمه فيها بتجميده لمدة 5 سنوات.

جولة جديدة من المفاوضات مع "اللجنة" واتفاقيات تبعث الأمل وتعزز الإنفراج
وعلى إثر إطلاق سراح الموقوفين ساد جو من الإنفراج خاصة بعد أن أمر رئيس الدولة بنقل السيدة جمعة الحاجي إلى تونس لمتابعة وضعها الصحي عن كثب وبعد لقاءات حوار بين بشير لعبيدي ومسؤول سام وحوار ثان بين عدنان الحاجي والسيد وزير الصحة العمومية، تبعه لقاء ثالث بين عدنان ومسؤول سام. ثم حصل لقاء أخير قبل عودة الرفيق بشير إلى الرديف. وقد تمكن الرفيقان عدنان والبشير من شرح جلية الأوضاع في الرديف والحوض المنجمي وكانا تقدما بمقترحات حلول عاجلة وآجلة.
وعلى أساس هذه السلسلة من اللقاءات وبناء على ما لمساه من تفهم واستعداد لضمان قنوات الإتصال بالسلط المحلية والجهوية وتيسير التحاور مع اللجنة، عاد بشير لعبيدي إلى الرديف ثم لحق به عدنان بعد أن اطمأن على صحة زوجته، وبدأت لقاءات التفاوض. فاستبشر الجميع بالروح التي كانت تحدوها وبالنتائج المحققة والوعود المقدمة.
وبروح تفاؤلية كبيرة جرت الإحتفالات بـ1 ماي التي كانت بمثابة مهرجان شعبي تم فيه تثمين انتداب حوالي 50 شابا من أبناء ضحايا حوادث الشغل بشركة فسفاط قفصة والإتفاقيات المبرمة لفائدة عمال حضائر البلدية. وتمّ إبرام اتفاقية مع مناولة نقل الفسفاط.
وبعد أن تعطلت المفاوضات مع شركة "سوقاص" للحراسة المخصصة لشركة فسفاط قفصة، التي يملكها السيد عمارة العباسي الكاتب العام للإتحاد الجهوي للشغل بقفصة، لعدم حضور ممثل عنها في جلسات التفاوض، التأمت الجلسة أخيرا يوم 26 ماي 2008، بحضور تفقدية الشغل بقفصة ونائب الرئيس المدير العام لشركة الفسفاط مصحوبا بالمدير المالي وممثل عن الولاية ومجموعة من متفقدي الشغل وممثل السوقاص وحضر نيابة عن اللجنة الأستاذ رضا الرداوي. وتم الإتفاق على ترسيم كل عون له أربع سنوات أقدمية وصرف المستحقات المالية الناتجة عن إعادة التصنيف والإلتزام بـ60 ساعة عمل أسبوعية وصرف المنح المدرسية والتعويض للمتضررين من جراء مرض مهني وتأمين جميع الأعوان وتوفير وسائل نقل خارج مناطق العمران واحترام الحق النقابي زيادة على التزام الشركة بعدم اتخاذ أي إجراء ردعي أو تأديبي أو تعسفي ضد أي عون من جراء القيام بالإضراب وخلاص أيام الإضراب كاملة لجميع أعوان الرديف طيلة المدة الفاصلة بين 28 أفريل 2008 و27 ماي 2008.
وكان رافق اللجنة إلى قفصة موكب بـ40 سيارة وواكب جلسة التفاوض في الخارج حوالي 200 عامل. وبموجب هذا الإتفاق علق الإضراب وتجمع مئات المواطنين أمام مقر الإتحاد المحلي للشغل بالرديف في جو احتفالي حتى ساعة متأخرة من الليل.
والجدير بالملاحظة أن الحوار بين السلط المحلية والجهوية قد أسفر عن نتائج إيجابية لفائدة الأهالي منها تشغيل عدد لا بأس به من الشباب في مختلف الآليات وتمكين عدد من حاملي أصحاب الشهائد من بعث شركات مناولة، زيادة على الإتفاقيات المبرمة السابقة الذكر.

استفزاز جديد وعودة للحلّ الأمني وإيقافات ومحاكمات بالجملة وتهم غريبة!!!
سبق وأشرنا للإستفزاز الذي قامت به مجموعة من الشباب لقوات الأمن المرابطة بالرديف يوم 5جوان 2008 والذي استغل لشن حملة واسعة من المداهمات والملاحقات والعنف الموجه ضد الأهالي لترويعهم أتلفت فيها المعدات المنزلية والمدخرات العائلية وألحقت أضرارا بليغة بالمتاجر والمخابز وغيرها. وهجر الشباب المدينة في اتجاه الجبال ونفطة وتوزر ودقاش، خاصة بعد استعمال قوات الأمن الذخيرة الحية يوم 6 جوان 2008.
ثم دخل الجيش مدينة الرديف ليفرض العودة إلى "حالة الهدوء" في الوقت الذي تواصل فيه قوات الأمن بمختلف فرقها ملاحقة الشباب والأشخاص الذين ضبطوا في القائمة منذ القرار الأول بتنفيذ الخيار الأمني في 7 أفريل 2008. وتم إيقاف أغلبية العناصر النشيطة ومثل كل من عدنان الحاجي وبشير لعبيدي أمام حاكم التحقيق بالتهم التي تعرضنا لذكرها في الفقرة الأولى لهذا الكراس.
وبقطع النظر عن الأحكام التي قد تصدرها هيئات المحاكم وعن الإجراءات التي قد تتخذها السلطة فإن المعضلة تبقى قائمة في التهم الموجهة ضد أعضاء "اللجنة المحلية" بالرديف الموقوفين وضد نشطائها. هذه اللجنة التي لعبت دور المؤطر للحركة الإحتجاجية وجنبتها الإنزلاق وراء المسارات الفوضوية وجنبت الدولة الوقوع في فخ منطق الحل الأمني الذي قد كان أدى إلى كارثة أشد وأعنف على الضمير الوطني مما حصل يوم 6 جوان 2008.
لقد ناهزت الحركة الإحتجاجية الستة أشهر ولم تسجل مرة واحدة ضررا حصل بسببها لمواطن أو تاجر أو صاحب مقهى أو صاحب مخبزة....إلخ. وكانت "اللجنة" تصرفت بحكمة وتبصر وتحملت كامل مسؤولياتها في التهدئة وفي تقديم الحلول لمختلف الوضعيات. وكانت مفاوضا للسلط المحلية والجهوية والوطنية وأمضت على اتفاقيات معها. واليوم تصبح بعملها ذاك محل اتهام لأن أعضاءها خطبوا في الناس ووجوههم الوجهة الصحيحة ولأنهم أطروا أهالي الرديف عن طريق النّشطاء ولم يتركوا أي منفذ لأي كان يروم توظيف الحركة واستغلالها ولأنهم قادوا مسيرات سلمية احتجاجية للفت انتباه السلطة لمشاكلهم ومطالبهم الملحة.
إن الحل الأمني جعل السلطة تجرم "اللجنة" التي تحملت مسؤولياتها كاملة في تأطير المواطنين وتنحاز إلى جانب الذين وقفوا ضد كل إمكانية لحل الأزمة بالحوار ودفعوا بكل قواهم في اتجاه الحل الأمني لأنه يضع غشاوة على ما يأتونه من فساد تحول مع الأيام إلى ظاهرة معطلة للتطور والتنمية في الجهة وعمق الفوارق الإجتماعية بصورة استفزازية حيث استثرى بعض الوصوليين بصورة غير مشروعة وخيالية وجعل رقعة الفقر تتوسع بين المواطنين ويتعمق الشعور لديهم بالغبن والضيم حيال رجحان كفة العدل الإجتماعي لصالح أقلية "مستغولة" وكأن لا حول ولا قوة لأحد عليها.
من الطبيعي أن تضع، هذه التغييرات الفجئية في خيارات تعامل السلطة مع الحركة الإجتماعية ومع تعبيرات من المجتمع المدني، في الميزان مسألة المصداقية التي تعتبر الإطار الأمثل في إدارة العلاقة بين الطرفين.

الحركة الإحتجاجية توجه أصبع الإتهام لخيارات الدولة الإقتصادية والإجتماعية وتطالب بتنمية أعدل
لقد كشفت الحركة الإحتجاجية على رؤوس الملإ مسألة التلاعب بانتداب العملة والأعوان بشركة فسفاط قفصة من قبل مجموعة من العناصر المتنفذة في الجهة. وكشفت في سيرها خطورة الفساد الذي مس الأجهزة الجهوية والمحلية للدولة والذي شمل المؤسسات الإقتصادية المتنفذة. وعرت عن الوضع الإقتصادي والإجتماعي والصحي والبيئي الناجم عن الخيارات التنموية التي اتبعتها الدولة وعن وضع عقاري غامض ومتخلف يؤكد وكأن هذه الجهة ظلت منسية ولم تعرف الإصلاحات التي أدخلتها الدولة التونسية الحديثة على نظام الملكية.
وليس غريبا والحالة تلك أن تعادل نسبة البطالة في الجهة مرتين أو ثلاثة موسطها على المستوى الوطني، لأنها ظاهرة مركبة من أربعة مصادر على الأقل:
- أولها يعود لضعف النسيج الصناعي وانعدام المشاريع الكبرى في الجهة القادر على استيعاب جزء من اليد العاملة الجديدة. وهو وضع ناجم عن اختلال التوازن في التنمية الجهوية. ناهيكم أن البنية التحتية للجهة متدهورة بشكل لا تشجع الإستثمارات الخاصة على التوجه إليها. وهو مجال تعود المسؤولية الرئيسية فيه للدولة.
- وثانيها يعود إلى التدهور البيئي للمنطقة جراء غسل الفسفاط الذي يدفع بنفاياتها في الأودية المجاورة وجراء نمط الإستغلال المكشوف وما ينبعث عنه من أتربة وغبار، مما ألحق أضرارا فادحة بالأراضي الفلاحية وبالمائدة المائية وقضى على إمكانيات النشاط الفلاحي لعدد من أبناء الجهة وتركهم دون مورد رزق يصونهم من الفقر والجوع ويحمي كرامتهم.
- كانت شركة فسفاط قفصة ولازالت المشغل الأكبر في الجهة، حيث كانت تعد في أواسط الثمانينات، ما لا يقل عن الـ17 ألف عامل. وبتنفيذ سياسة الإصلاح الهيكلي فقد نزل عدد العاملين فيها اليوم إلى حوالي الـ6 آلاف عامل. وبقطع النظر عما دفعت الشركة من تعويضات للعمال، التي كان الإتحاد العام التونسي للشغل فاوض بشأنها وقبل بها وأمضى عليها، فإن أغلب العمال تحول بعد مدد متفاوتة إلى عاطلين عن العمل لصعوبة بقاء المشاريع الصغرى على قيد الحياة عامة وبصورة خاصة في جهة إمكانياتها محدودة. وتحول هؤلاء إلى العطالة يعني أن عائلاتهم لقوا نفس المصير.
- تفاقم بطالة أصحاب الشهائد التي زادت الطين بلة، حيث كانت العائلات تترقب حصول إبنها أو إبنتها على شهادة عليا تمكنه من شغل كي يصبح عائلا لبقية أفرادها، كما جرت العادة.
إن الجرح الإجتماعي غائر في هذه المنطقة لذلك حطمت الحركة الإحتجاجية في بلادنا كل الأرقام القياسية وكانت حركة أهلية بأتم معنى الكلمة. ومدلولها الرئيسي هو صيحة: كفى حرمانا ! كفى فسادا! من أجل تنمية أعدل!
"الحركة الإحتجاجية" كانت حركة شعبية
"محتجة" على وضع سيّئ ومطالبة بتحسينه
لقد سمعنا وقرأنا وشاهدنا متدخلين عديدين حول الوضع في الحوض المنجمي فكان أغلبهم يعتبر أن ما يجري هناك هو بداية الحريق واعتبره البعض الآخر "بروفة" أولى تجري على الركح السياسي بصدد الإعداد لزعزعة أركان النظام. ولا تعدو أن تكون هذه التهويمات سوى أضغاث أحلام رفض الواهمون مبارحتها حتى بعد حوالي الـ6 أشهر من تواصل الحركة دون أن تخرج حتى إلى عاصمتها "قفصة". والسبب في ذلك ليس "رجولية أهالي الجنوب" الذين يرفضون الظلم والحبف والتعدي وليس أيضا في أن بقية الجهات لا تعاني البطالة ولا تواجه الحاجة والفقر ولا تشهد ثراء فاحشا لبعض الوصوليين ولا تعرف فسادا، سواء أكانت محظوظة أو محرومة من تنمية جهوية عادلة، بل لأن مختلف أوجه الحياة الإقتصادية والإجتماعية والصحية والبيئية والثقافية بلغت فيها حدا لم يعد مقبولا من قبل التجمعات الأكثر حرمانا وشعورا بالحيف والظلم المسلط عليها. وبما أن بقية الجهات والأوساط الإجتماعية مازالت لم تبلغ درجة البؤس والشعور بالبؤس التي بلغتها بعض مدن الحوض المنجمي، فإنها لم تقدم على التحرك بشكل شعبي. وكل ما لاحظناه في السنوات الفارطة هو اعتصامات وإضرابات جوع وإضرابات عن العمل يقوم بها العمال احتجاجا على غلق مصنع أو الزيادة في الأجر أو تحسين ظروف العمل...إلخ. مما يعني عموما أن الأوضاع العامة للشعب لم تبلغ درجة لم يعد فيها غير قابل العيش كما في السابق.
كما أن السلطة عرفت كيف تسير الشؤون الإقتصادية والإجتماعية، في ظل أوضاع عالمية متقلبة، بشكل حمت الإقتصاد من هزات عنيفة تكون أرضية لقيام حركات احتجاجية واسعة. ومن الأكيد أنه بين أيديها مخارج عديدة وإمكانيات تسمح لها بمواصلة تهدئة الأوضاع والتحكم فيها.
لذلك كانت "الحركة الإحتجاجية" تعبر عن رفض أهالي الحوض المنجمي لأوضاعهم السيئة وعن مطالبة الدولة بالعناية بهم وإخراجهم من حالة البؤس والفاقة التي يعيشونها. ولم تكن موجهة ضد السلطة. هكذا أراد المواطنون أن تكون حركتهم. لذلك كونوا لجنة ممن يثقون بهم للتفاوض مع السلط المحلية والجهوية والوطنية. فكانوا في مستوى المسؤولية وحققوا مكاسب تذكر للأهالي. ومن مصائب الدهر أنهم الآن يقبعون في السجون لأنهم مثلوا أهاليهم أحسن تمثيل.
لكن بما أن دعاة الحل الأمني يعتبرون أن العلاقة بين الحاكم والمحكوم ينبغي أن تكون قائمة على "ميثاق الخضوع" و"الطوعية" الذي يسلم المحكوم بموجبه أمر إدارة شأنه والشأن العام للحاكم. وفي حالة "الإحتجاج" يعتبر ذلك خروجا منه على "روح الميثاق" وبالتالي يعرض نفسه للعقاب المحتوم. وبفعلته تلك يكون قد مس من هيبة الحاكم، أي من هيبة الدولة، باعتباره يرمز لها ويمثلها. وأهالي الحوض المنجمي وأهالي الرديف بوجه خاص ولجنتهم يسلط عليهم العقاب اليوم لأنهم "احتجوا" وطالبوا السلطة بمقاومة الفساد ومحاسبة الراشين والمرتشين، بدعوى أنهم مسوا من "هيبة الدولة".
إن الذين مسوا من "هيبة الدولة" فعلا، هم أولائك الذين حاولوا إفساد هيئاتها المحلية والجهوية، هم أولائك الذين دفعوا ويدفعون في إحداث شرخ بين المواطن في الحوض المنجمي والدولة وتحويل العلاقة بين الطرفين إلى علاقة عداء، من خلال دفع الإحتقان إلى أقصاه.
إن أهالي الحوض جزء من هذا الشعب الأبي وممثليهم من أبنائه البررة وتاريخهم شاهد عليهم فهم لم يبحثوا عن الثراء ولا عن النجومية السياسية لذلك لم يلتفتوا لسفارات أجنبية وحرصوا على أن تبقى حركة أهاليهم في إطارها الطبيعي وفي حجمها الحقيقي ولم يسمحوا لأي كان بأن يخرج بها عن إطار مصلحة الأهالي وعن المصلحة الوطنية.
وهم بذلك صانوا "هيبة الدولة" ولم يضعوها في "المزاد العلني" كما يفعل البعض من "فطاحلة" السياسة في السلطة أو المعارضة.

هل من إمكانية لاستغلال الحركة الإحتجاجية من قبل "التيارات السياسية المتطرفة اليمينية واليسارية"؟
لقد ذهب إلى ظن البعض أن وجود الخمارات واللحي وشعارات "الله أكبر!" وتصريحات الغنوشي والبيانات الصادرة عن حركة النهضة دال على أن هذه الأخيرة بصدد توظيف الحركة لفائدتها وتوجيهها كي تتحول إلى حركة احتجاجية تحت قيادتها ومن ثم يجري توسيعها لتشمل مناطق أخرى. والحقيقة أن هذه الحركة ذات عمق اجتماعي لا شك فيه، لذلك يكون من العسر بمكان أن تتمكن حركة ذات أصول دينية من مجارات نسقها والقبول بتنوعها ومتابعة تعرجاتها. وزيادة على ذلك فإن لجنتها التأطيرية وسائر النشطاء العاملين معها من النقابيين ذوو أصول يسارية وقومية في أغلبهم. مما يؤكد أن الحركة الإحتجاجية لا يمكن أن تستغلها حركة توظف الدين بأي شكل كان.
أما عن استغلال "حزب العمال" للحركة فإنه بكل تأكيد لم يتجاوز المستوى الإعلامي الذي حاول الظهور به على أنه الفاعل في الحركة والمحرك لدواليبها. والحقيقة كل الحقيقة هي أنه كان يتبعها ويتابعها من بعيد مثله مثل الأحزاب الأخرى. وكانت محاولات توظيفه الإعلامية لها سيئة، حيث استغل قناة "الحوار التونسية" لإظهار الرفيق عدنان الحاجي وكأنه مناضل ينتمي لـ"حزب العمال" والحال أنه مناضل يساري مستقل ونقابي معروف ولمسح الرفيق بشير لعبيدي من مسرح الأحداث ولما يجد نفسه مضطرا للإعلام عليه يشوهه بألف شكل وشكل. ناهيكم أن عمار عمروسية صرح لقناة الحوار اللندنية الإخوانية أن الرفيق بشير لعبيدي، قبل إيقافه، كان "يهيم في الجبال" و"أنه سيقدم في الساعات الموالية طلبا في اللجوء السياسي بقنصلية الجزائر بقفصة!!!". وكأن بشير لعبيدي منبت لا جذور له ومستعد للإرتماء بين أحضان السفارات، مثله مثل أي جبان يطلب حماية أجنبية.
أما العناصر اليسارية، التي تتعاون مع "حزب العمال"- إن صح القول- والتي أراد أن يجعل منها عنصر الإتصال القار بين الحركة والمجتمع المدني والإعلام وتجاوز "اللجنة" المنتخبة جماهيريا، فإنها لم تخرج قط عن المواقف التي تتخذها "اللجنة". وهكذا ظل "حزب العمال" يجري وراء الحدث دون أن يفعل فيه.
وقد أثارت انتباهنا افتتاحية جريدة الصحافة لما أشارت إلى أن تيارات متطرفة يسارية ويمينية تسعى إلى توظيف "الحركة الإحتجاجية" سياسيا. وكنا اعتبرنا الفكرة القائمة عليها خطيرة باعتبارها تبرر للحل الأمني. وفعلا لم تمض مدة حتى حدث المنعطف الخطير في الوضع الذي نحن بصدده.
وأمام استحالة استغلال الحركة الإحتجاجية من قبل "التيارات السياسية المتطرفة اليمينية واليسارية" تصبح مثل هذه القراءات للأوضاع قدت لتبرر الخيار الأمني في معالجة الملفات الإجتماعية والسياسية. وهي قراءات لها عواقب وخيمة على الأوضاع في البلاد، لأنها تكثف من التوتر بين الدولة والشرائح الإجتماعية المتضررة في هذا القطاع أو ذاك وفي هذه الجهة أو تلك وبين الدولة ومكونات المجتمع المدني المستقلة والميالة إلى المحافظة على استقلاليتها وتحدث هوة تتسع باستمرار بين الحاكم والمحكوم إلى درجة بلوغ حد لا يمكن أن نتنبأ بالمخرج منه.
بينما تدخل الدولة برموزها السياسية، أو المعارضة، بالحلول السياسية والإقتصادية والإجتماعية من شأنه أن يخفف من الإحتقان المفتعل ويفتح الطريق أما سبل التطور الطبيعية التي تلعب فيها الديمقراطية والحرية السياسية دور المعدل باستمرار كي يستفيد المجتمع من كل إمكانياته الكامنة.

كيف تصرّفنا نحن، الحزب الإشتراكي اليساري، مع "الحركة الإحتجاجية" بالرديف؟
ليس غائبا على أحد أن رفيقنا بشير لعبيدي عضو قيادي في الحزب الإشتراكي اليساري وأن نشاطه السياسي والنقابي انطلق من الرديف منذ أن انتدب مربيا في التعليم الإبتدائي. لقد انتمى لمنظمة العامل التونسي في أواسط السبعينات ثم كان ضمن العناصر الأساسية المؤسسة لـ"حزب العمال" وانتمى إلى قيادته. وكان عضوا مؤسسا للحزب الإشتراكي اليساري وفي قيادته.
ولا يمكن لأحد أن يتجاهل الدور الذي لعبه في الحياة النقابية بالرديف وبجهة قفصة في مختلف القطاعات بما فيها نقابات المناجم وعلى النطاق الوطني.
وزيادة على ذلك فإن الرفيق لم يكن غائبا عن أي حدث استجد في المنطقة. وكان أصدر بيانين باسم الحزب الإشتراكي اليساري واحدا حول البطالة ونتائج المناظرة وما يمكن أن ينتج عن التلاعب بها والآخر حول غلاء الأسعار وانعكاسه على الوضع المعيشي للناس.
ومنذ اللحظات الأولى لظهور الإحتجاج والتذمر لدى الأهالي تبادل الرأي مع رفيق دربه الرفيق عدنان الحاجي حول كيفية التهيؤ لما يمكن أن تفرضه عليهما الأوضاع كي يتحملا مسؤوليتهما كاملة تجاه مطالب الأهالي.
وكنا أكدنا في نقاشاتنا مع الرفيق بشير على أن نلتزم في تمشينا السياسي بالدفاع عن مصالح أهالي الحوض المنجمي وأن نراعي المصلحة العليا للوطن وأن نبتعد كل البعد عن صيغ التوظيف الساذجة لتسجيل نقاط ضد السلطة أو ضد أي كان. ووقفنا ضد كل من حاول استغلال التحركات لمصالحه السياسية الضيقة. وبذلنا جهدا لإقناع الفاعلين والمتدخلين في الوضع بأن المزايدة والحلول الأمنية لن تخدم أحدا وقد تكون نتائجها وخيمة على البلاد والعباد.
لكن المصالح القائمة والكامنة في الجهة أكبر من أي إرادة سياسية وطنية حقا وشعبية حقا، ولأصحابها من التنفذ ومن إمكانيات الإستفزاز والفبركة بما يسمح لهم بالتمويه والمغالطة وجر السلطة في خيارات متناقضة مع تمشيها الأصلي، الذي كنا شاهدين عليه، بحيث أنها ظلت لما يقارب عن الـ5 أشهر دون أن تلجأ للحل الأمني. وهو تصرف نادر في السياسة التونسية.
وفي كلمة كان خيارنا السياسي هو أن نكون باعتبارنا مناضلي ميدان مع الناس مدافعين عن مصالحهم بثبات وتماسك، دون أن نساوم بخدمات خاصة أو بتأشيرة للعمل القانوني لحزبنا أو ما شابه ذلك، سواء في التهدئة أو في المسيرات والإضرابات والإعتصامات أو في المفاوضات أو في التحاور.
نحن ندافع عن الإتحاد العام التونسي للشغل لكننا نتمسك بحقنا في النقد
لم تعجب تدخلات بعض الرفاق في حملات المساندة للحوض المنجمي لأنها تعرضت بالنقد للمركزية النقابية التي كانت تجاهلت نداءات النقابيين بمعتمدية الرديف التي طالبتها بالتدخل لوضع حد لما قام ويقوم به الكاتب العام للإتحاد الجهوي بقفصة ونقابات المناجم الموالية له.
لقد توجهت نقابات الرديف بعريضة إلى الأمين العام للإتحاد وإلى الكاتب العام للإتحاد الجهوي بقفصة من أجل إيقاف هذه المهزلة وفتح تحقيق جدي حولها. ونقدم للرأي العام البعض مما ورد فيها:
1- وقع إسناد حصة من العدد المنتدب للنقابيين المباشرين... وقد شارك المعنيون بهذه الحصة مشاركة صورية في المناظرة...
2- ...إن هؤلاء النقابيين قد تمتعوا بحصص مماثلة في دورات سابقة....
3- حصول النقابيين على حصص خاصة بهم أدى إلى انتداب أشخاص من عائلات ميسورة العديد منهم يدير مشاريع معروفة تجارية وغيرها.
4- انتداب ابنة نقابي ما تزال تدرس بالسنة الثالثة ثانوي في حين أن أساتذتها بالمعهد الحر مازالوا عاطلين عن العمل.
5- انتداب ابنة الكاتب العام لنقابة المنجم سابقا وابن أخيه وقد تمتع بحصة تشغيل في الدورة السابقة فشغل ابنته وابن أخيه وابني خالتيه.
6- انتداب ابن نقابي مطرود من الأمن وقد وقع انتداب أخيه في الدورة السابقة.
7- عضو النقابة الأساسية ....كان يعمل بمقتصدية المنجم وبعد غلقها وقع تمتيعه بمنحة طرد ....بعد ذلك وقع إعادة انتدابه بشركة فسفاط قفصة ...
8- بقية أعضاء نقابة المنجم انتدب كل واحد منهم ابنه أو ابنته رغم أن أحوالهم ميسورة ويتقاضون أعلى رواتب في الشركة.
9- البعض ممن انتدب يعمل بوظائف أخرى(اتصالات تونس، جامعة توزر، شركات خاصة...) تركوا هذه الوظائف القارة وزاحموا العائلات المحرومة.
10- انتداب بعض الأشخاص من خارج المعتمدية
11- انتداب أخوين من عائلة ميسورة في نفس الوقت وعازبين.
13- كان المقرر حسب بلاغ المناظرة انتداب 81 عونا إلا أنه تم الإعلان عن انتداب 64 فقط فأين البقيّة الـ17.....؟............
وتوجهت العريضة في ختامها بنداء إلى "الأمين العام للإتحاد العام التونسي للشغل"... "لإرسال وفد نقابي وفتح تحقيق في فساد نقابات المناجم ومحاسبتها".
لقد اعتبرنا أن للمركزية النقابية مسؤولية في الوضع، حيث كانت على علم بشيء مما كان يحدث وكان بإمكانها التدخل بشتى الطرق. ونحن لا نرى في مثل هذا النقد أو غيره عداء للإتحاد أو لقيادته بل هو حقنا الطبيعي، حيث نرفض المقدس السياسي أو النقابي أو....أو ذواتنا. نحن نعارض السلطة وننقدها فهل من المعقول ألا تقبلوا بنقدنا لكم، خاصة وأنه مدعم بأدلة وشواهد لا يطالها شك.
أما فيما يتعلق بالسيد الكاتب العام للإتحاد الجهوي بقفصة فتلك قصة أخرى. نحن نعتبر أنه من الأجدر به أن يتوجه إلى نقابة الأعراف، إذ يعرف القاصي والداني أنه صاحب شركة مناولة الحراسة لشركة فسفاط قفصة. ومثل هذه الوضعية تمس بهوية الإتحاد العام التونسي للشغل وبرسالته. ونطرح عليكم السؤال المحرج هل من حق مسؤول نقابي في المنظمة الشغيلة، الذي من المفترض أن يكون مدافعا عن العمال أمام التجاوزات والإنتهاكات التي يقوم بها الأعراف، يكون هو نفسه عرفا يستغل العمال وبطريقة خليقة ببدايات القرن الماضي وما قبلها؟ ويكمن أساس هذا التناقض في أن التمثيل النقابي قائم على أساس مهني، فلأي مهن ينتمي هؤلاء النقابيون- الأعراف كي يجدوا أنفسهم بقدرة قادر يمثلون العمال ويدافعون عن مصالحهم؟
وزيادة على ذلك فإن لنا مع السيد الكاتب العام مشوار طويل. لقد كنا عارضناه في السابق، في عهد الأمين العام السابق للإتحاد العام التونسي للشغل السيد إسماعيل السحباني. إذ كنا، مع ثلة من النقابيين شكلنا أغلبية داخل الإتحاد الجهوي طالبت بتحوير المهام. ورغم علاقاتنا الطيبة مع الأمين العام السابق وقتها فقد أقدم على تغيير النظام الداخلي بشكل أصبح يشترط حصول أغلبية الـ2/3 من أعضاء المكتب التنفيذي الجهوي. ومنذ ذلك الحين صال وجال كما طاب له وحاول قتل كل نفس نقابي تقدمي في الجهة. ولم يتمكن من الصمود في وجهه سوى الديناصورات. ومنذ ذلك الحين واجهناه باعتباره شخص معاد للشغالين وتتوقف علاقته باتحاد الشغل في حدود المصالح الخاصة والمنافع التي يحصل عليها من موقعه ذاك.
وفي هذا المستوى لا يجوز الخلط بينه وبين اتحاد الشغل ولا بينه وبين سائر النقابيين. ونحن لا نخلط في هذا الشأن. وليتحمل كل صاحب مسؤولية مسؤوليته!!!

وخلاصة القول
إن ما حققته "اللجنة" من مطالب لفائدة أهالي الحوض وأهالي الرديف ليس بالحجم الذي يقدر على خلق مناخ اجتماعي جديد.
فالجهة في حاجة على تشغيل ما لا يقل عن 10 آلاف عاطل من أجل إعادة بعث الأمل فيها من جديد وتمكين كل عائلة تقريبا من دخل قار يضمن لها شيئا من الكرامة. وهو شأن من مشمولات الدولة باعتباره يستوجب استثمارات كبرى يعزف الرأسمال الخاص على القيام بها.
ونحن نعتقد أن التفكير في تطوير الإستثمارات في المجال المنجمي على طول الخط الغربي للبلاد التونسية بإمكانه أن يصبح عامل تنمية فعال، إذا تم ربطه بالمجالات الصناعية المتولدة عنه، خاصة وأن أسعار المواد الأولية تضاعفت بشكل حول المناجم إلى قطاعات مربحة.
وفي الجهة أراضي فلاحية يمكنها أن تتحول إلى مطمورة تساعد البلاد على ضمان اكتفائها الذاتي لو توفّرت الإستثمارات الضرورية لذلك وتمت تسوية وضعها العقاري.
إن الجهة في حاجة إلى قطب صحي، أي مستشفى جامعي، يخفف عن المواطنين مشاق التنقل إلى صفاقس أو سوسة أو تونس للتداوي.
وهي في حاجة أيضا إلى إجراءات بيئية صارمة فيما يتعلق بالتلوث الذي تحدثه شركة فسفاط قفصة جراء أسلوب الإنتاج المفتوح وغسل الفسفاط دون الإكتراث بالأراضي الفلاحية والمائدة المائية.
كما أن الجهة في حاجة ماسة إلى تحسين طرقاتها ومساكنها وتسوية ملكيتها وإلى بعث مناطق خضراء فيها ومسالك صحية تجعل من المنطقة موطنا يطيب فيه العيش ويحسن من نوعية الحياة فيها.
تلك هي بعض محاور البحث والتفكير. لكن الأمر الأكثر أهمية هو مقاومة الفساد الذي بدأ ينخر الجهة ويعطلها على أن تصبح قطب تنمية ويعمل على حرمانها من طاقاتها المؤطرة كي يتفرد بأهلها يفعل بهم ما يشاء خدمة لمصالح أقلية قليلة من "المستغولين".
ولا يمكن أن يحصل ذلك وأحرار الجهة في السجون.
ولكل ما سبق ذكره فإننا نتوجه بنداء إلى أصحاب القرار في السلطة بدء برئيس الدولة نطالب فيه بطي صفحة الحوض المنجمي وإطلاق سراح من حوكموا وإيقاف التتبع في شأن البقية واتخاذ إجراءات تاريخية تعيد الإعتبار لجهة معطاء أنتجت وتنتج الثروة بسخاء وتأمل أن تنال حظها من التنمية وأن ينعم أهلها بالعيش الكريم وأن يفخروا بانتمائهم لوطنهم.


تونس في 12 جويلية 2008


.الحزب الاشتراكي اليساري التونسي

ملاحظة : لا زال مناضلوا الحركة يقبعون في السجون بتهم باطلة

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire