lundi 13 juillet 2009

قليلا من الجد !!! ( بصدد مقال، صدر بجريدة الموقف، تحت عنوان: الحزب الإشتراكي اليساري، إضافة للحرية أم دعم للموالاة)

قليلا من الجد !!!

(ردا على مقال: الحزب الإشتراكي اليساري، إضافة للحرية أم دعم للموالاة)

ظهر في الصفحة الثانية من جريدة الموقف، الصادرة بتاريخ 16 نوفمبر2007، مقال تحت عنوان: الحزب الإشتراكي اليساري إضافة للحرية أم دعم للموالاة، بقلم السيد سعيد السلامي، ونظرا لما تضمنه من مغالطات وأخبار زائفة بالجملة وجهل صارخ بالحياة السياسية ومنها الإطلاع على أطروحات الحزب المذكور ومواقفه ارتأينا كتابة هذه الأسطر، في إطار حق الرد، لوضع النقاط على الأحرف.

والجدير بالملاحظة هو أن جريدة الموقف لم تتفضل قط بالإخبار عن أنشطتنا ومواقفنا وتتحفظ عن ذكرنا في تحاليلها الرسمية، وهاهي تمنحنا مكان الصدارة وتتعامل معنا بسخاء عن طريق التشويه والإعلام الزائف والتأويل المغرض. فشكرا للموقف !!!

نصحّح المعطيات للسيد الكريم سعيد السلامي:

أولا: لقد كلّف المؤتمر التأسيسي للحزب الإشتراكي اليساري الرفاق الثلاثة: حسان التوكابري ونوفل الزيادي والمنصف الشريقي، يؤلفون لجنة من الهيئة التأسيسية مكلفة بمهمة الناطق الرسمي باسم الحزب. ولم تسند هذه الصفة للرفيق حسان فقط.

ثانيا: كان تقدّم بمطلب "التأشيرة" كل من الرفاق: حسان التوكابري ونوفل الزيادي وطارق شامخ ومحمد الكيلاني، ولم يكن الرفيق حسان وحده.

ثالثا: لم تحصل أي مقابلة بين الرفيق حسان التوكابري وأي مسؤول كان في وزارة الداخلية "لإتمام" ما ادعيتموه "بعض التراتيب الخاصة بإعطاء التأشيرة".

رابعا: لم يحضر الرفيق محمد الكيلاني في أي اجتماع رسمي أو غير رسمي لـ"لقاء الديمقراطي" ولم تنشر أي صحيفة خبرا بهذا المعنى.

خامسا: لم يتم إعلامنا بصورة رسمية أو غير رسمية بأننا قد نحصل على تأشيرة العمل القانوني بمناسبة 7 نوفمبر ولم نصرح بمثل هذا الخبر في أي وقت من الأوقات ولأي كان، وكل ما في الأمر هو أن الرأي العام كان يترقب أن يتم الإعلان على ما كان يتمناه من إجراءات، كل من موقعه. وهي حالة طبيعية تظهر مع حاجة النّاس إلى التغيير ولا شأن لنا ولأي كان بها.

نحن لا نلوم صاحب المقال على جهله بقواعد العمل الصحفي، بل نتوجه باللوم للسيد رئيس التحرير الذي سمح بتسرب مثل هذه المعلومات الخاطئة في الجريدة وهو الصحفي المحترف لحوالي ثلاثة عقود.

والجدير بالملاحظة أن ما قدمته جريدة الموقف، في المقال المذكور، من إعلام خاطئ للقراء هو من قبيل حديث المقاهي الذي لا يعرف الضوابط فيطلق العنان للخيال.

ومعضلة الحركة الديمقراطية في بلادنا تكمن فيما تكمن في كون عقلها التحليلي نزل إلى مستوى العقل العامي العاجز على التمييز والإستخلاص لمّا أصيب خيالها الثائر بالصدأ وتراجع إلى مستوى خيال متفرج كرة القدم.

توظيف تافه لخبر زائف وتأويل مغرض:

قدم السيد سعيد السلامي "خبرا" زائفا يزعم أن الرفيق محمد الكيلاني شارك في بعض جلسات "اللقاء الديمقراطي" الذي نشط حسب قوله بمناسبة "الإضراب المفتوح عن الطعام الذي شنته قيادة الحزب الديمقراطي التقدمي دفاعا عن مقرها المركزي". وختم خبره الزائف بإشارة إلى أن "هذا 'اللقاء' يتكون من الأحزاب الموالية للحكومة".

ومن الواضح أن الهدف من هذا التقديم والترتيب هو محاولة لتمرير فكرة، عن طريق الإيحاء والإستنتاج "المنطقي" الذي يجرّ إليه القارئ، مفادها أن الحزب الإشتراكي اليساري هو حزب "موالاة".

وقد أكّد محاولته تلك بإشارته المغرضة لانطباع "العديد من المراقبين" حول "المشاركة المحتشمة" للرفيق طارق الشامخ في "الندوة التي نظمتها حركة التجديد"، الذي أتى مناقضا كليا لتفاعل القاعة مع مداخلة الرفيق ولتفاعل مناضلي "المبادرة الديمقراطية" الذين وجدوا فيها تثمينا لجهودهم ودورهم وإسهامهم وتحفيزا على مواصلة المشوار. ونسي، أو لنقل أن صاحب المقال لم يكن يعلم، أننا كنا إلى جانب حزب العمل الوطني الديمقراطي، من بين منظمي هذه الندوة. ولا نلومه على تجاهل حضورنا وكلمتي الرفيقين نوفل الزيادي ومنصف الشريقي.

ونود أن نشير لصاحب المقال وللمسئولين على جريدة الموقف أنكم لم تكونوا في حاجة إلى الإعلام المزيف وتوظيفه بصورة مغرضة للحكم على سياسة حزبنا ومجمل توجهاته، لأن أدبنا منشور ومواقفنا معروفة من الأوضاع السياسية في بلادنا ومن مختلف القوى والبرامج والتحالفات وكنّا جادلناكم في الأمر على رؤوس الملأ حولها ولم نلتجئ قط معكم ومع أي كان إلى أسلوب الإفتراء والتشويه المغرض لرفض هذه السياسة أو تلك ومعارضة هذا التحالف أو ذاك.

نوضح للسيد سعيد السلامي:

أولا: إن تأسيس الحزب الإشتراكي اليساري لم يكن حادثا عرضيا بل أتى تتويجا لمسار طويل من البلورة الفكرية والنظرية والسياسية. وقد نشرنا أكثر من ستين كرّاس تناولت مواضيع شتى وختمنا هذه المرحلة بوضع الأسس العامة لبرنامج الحزب وضبط المحاور العامة البديلة. وهو عمل أهلنا للمرور إلى البحث في البدائل والمقترحات الملموسة.

وما قدمناه من أعمال، بما فيها تلك التي نتباين فيها مع حزب العمال والحركة الإسلامية، لا يمكن اعتبارها البتة تحديدا للذات بالسلب "في مواجهة الأخ اللدود...والعدو اللدود..." بل كانت محاور صراع فكري وسياسي بين مشاريع مجتمعية مختلفة وأنماط حكم متناقضة وبرامج سياسية متعارضة وشعارات وأساليب نضال وتحالفات لا جامع بينها.

إن أخلاقيات العمل الصحفي والنزاهة التي ينبغي أن يتحلى بها المثقف في نقل المعلومة أو نقدها أو تقديمها يفرضان عليك العودة إلى تلك الأعمال ومجادلتها للحكم على هذا الحزب أو له. وعلى ما يبدو أن عداءك له هو الذي جعلك تنحى هذا المنحى، فلأننا مؤمنون بقيم ومبادئ النظام الجمهوري ومدافعون عن الجمهورية ومناهضون للمشروع الإستبدادي باسم الدين الذي تعمل الحركة الإسلامية على فرضه على مجتمعنا ولأننا معارضون لدعوة حزب العمال "لوحدة العمل" مع الإسلاميين ولـ"18أكتوبر" ولأننا نرفض الإنخراط في تحركات ومشاريع سياسية لا نعلم دوافعها وأغراضها الحقيقية، رسمتها قوى نصبت نفسها "وكيلة" على الشعب التونسي وقواه الديمقراطية والتقدمية وساندتها أخرى لا يعلم أغراضها إلا الله، يصنفنا "أهل الحل والعقد" في "النضال الديمقراطي" بـ"الموالاة" ويضعوننا في هذه الخانة أو تلك وفي هذه المعادلة أو تلك؟؟!!

وثانيا: لم يكن الحزب الإشتراكي اليساري، سيدنا الكريم، انشقاقا على حزب العمال لأنه لم يتشكل قط كتكتل داخله وأن الأغلبية الساحقة لمناضليه لا علاقة لهم به لا من قريب ولا من بعيد. وزيادة على ذلك فإن الخلافات التي كانت ظهرت في النصف الأول من التسعينات والتي لم تجد طريقها إلى الحل والتي انتهت باستقالة الرفيق محمد الكيلاني من الحزب وتخلي القيادة على عدد من المناضلين والإطارات لموقفهم من كيفية التعامل مع الأزمة، لا علاقة لها بالأطروحات والتوجهات البرنامجية التي تأسس على قاعدتها الحزب الإشتراكي اليساري ولم تكن مثلت قط الأساس الذي تجمعت حوله حلقة الشيوعيين الديمقراطيين.

ومما لا شك فيه أن هذه المجموعة كانت ظهرت لأول مرّة، في شكل هلامي، خلال سنة 1999-1998، بمشاركتها في تأسيس منتدى الموقف. ولم تتشكل رسميا كحلقة للشيوعيين الديمقراطيين إلا في ديسمبر 2003.

وإذ نؤكد على هذه المعطيات فلأن جذور الحزب الإشتراكي اليساري لم تكن متولدة على انشقاق عن حزب العمال، بل بلور عدد من المناضلين الذين شاركوا في تجربة حزب العمال أطروحات جديدة لا علاقة لها بالصراع الذي قابلهم بقيادة الحزب آنذاك ولم يبحثوا قط على اقتسام أي شيء معها في أي مجال، لأنهم كانوا على قناعة تامة بأن الأمر لا يتعلق بتجربة حزب العمال وبالمبادئ والبرنامج الذي يقوده، بل بالتجربة الشيوعية والإشتراكية العالمية برمتها، لذلك رفضوا الدخول في متاهات الصراع على "الورثة" ولم يتشكلوا ككتلة ولم يمثلوا انشقاقا على حزب العمال، وأن نعتهم بالكتلة كان من قبيل المناوأة والصراع غير النزيه والإيحاء بالسلبية حيالهم بهدف محاصرتهم ومحاولة الإجهاز عليهم.

ورغم كل الصعوبات التي لاقوها، من جراء حملات التشويه التي تعرضوا لها، وجهوا جلّ طاقاتهم، منذ مطلع النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي، للبحث في التجربة الشيوعية والإشتراكية العالمية. وتوصلوا إلى استخلاصات جوهرية حول العديد من القضايا النظرية تتعلق باللينينية وبالستالينية حول الحزب والدولة والإشتراكية والديمقراطية البروليتارية وغيرها، كما توصلوا إلى استخلاص من خلال تقييمهم للتجربة الإشتراكية يؤكدون فيه أن هذه التجربة لم تخرج في الأساس عن المنظومة الرأسمالية في أسلوب حكمها وفي مشروعها الخاص بالتنمية الإقتصادية والبشرية.

وثالثا: إن الحزب الإشتراكي اليساري لم يستمد قط مشروعية وجوده من مكانته في الحركة الطلابية وفي الإتحاد العام لطلبة تونس ولم يستعمله في أي لحظة من لحظات وجوده – الهلامي أو الحلقي أو الحزبي- في الموازنات السياسية وفي "الضغط على السلطة" للحصول على تأشيرة العمل القانوني أو أي نوع من الإمتيازات، بل تعامل معه باعتباره منظمة شبابية نقابية لها استقلاليتها ومجال نشاطها الخاص بحيث لم يسعى إلى جرّها للدخول في الدخول في تحالفات كان طرفا فيها ولم يفرض عليها مواقفه توجهاته السياسية الخاصة، بل احترم هويتها الوطنية والديمقراطية والتقدمية ودافع عنها. و"حافظ على الشقف" لتيسير تأطير الشباب الطلابي وفتح مجال تحمل المسؤولية أمامه باعتباره مواطن في مجتمعه ويمثل عماد البناء المستقبلي لبلاده.

وإيمانا من مؤسسي الحزب الإشتراكي اليساري بأن كسب الشرعية في الساحة السياسية لا تعني التعسف على أطر المجتمع المدني من خلال حملها على تجاوز مجالات اختصاصها وتبني أطروحات وأساليب عمل ونضال وشعارات حزبية، بل بالتوجه مباشرة إلى العمل في الحقل السياسي. لذلك كانوا شركاء في الحياة السياسية، حتى قبل أن يتشكلوا كحلقة، حيث أسسوا، بمعية ما تبقى من قيادة "التجمع الإشتراكي" آنذاك وبعض المستقلين كان من أبرزهم الرفيق صالح الزغيدي، منتدى الموقف، في زمن عزّ فيه العثور على من يقدم على تحمل المسؤولية. وكما هو معلوم فقد كان لهذا المنتدى دور كبير في استنهاض القوى عن طريق عقد الندوات وإصدار جريدة الموقف، رغم البدايات المحبطة التي لم نكن قادرين فيها على تجميع الـ30 نفرا في الندوات الأولى. لكن تطوّر عدد الحضور حيث تجاوز لاحقا سقف الـ50 فالمائة.... وكنّا توصلنا، في 1جويلية 2000، إلى عقد ندوة وطنية جمعت ما يزيد عن الـ300 إطار من إطارات الحركية الديمقراطية. وقد صدر عن هذه الندوة بيان، كان بإمكانه أن يتحوّل إلى أرضية جامعة للحركة الديمقراطية لو لم تتم مراجعة بندين، بصورة غير مشروعة من قبل الأمين العام للتجمع الإشتراكي وبعض العناصر التي ساندته، يتعلقان بالمساواة بين المرأة والرجل وبالموقف من الحركة الإسلامية. وعند هذا الحد توقفت تجربة المنتدى.

وكان لرفاقنا، في مختلف مراحل هذه التجربة، دور لا يمكن لأحد نكرانه.

وبما أن تجربة المنتدى شملت الإشراف على إصدار جريدة الموقف. فقد كان الرفيق محمد الكيلاني تحمل مهمة رئاسة تحريرها. لكنّ عبئها الأكبر نزل عليه، إلى حدود عودة رئيس تحريرها الرسمي التي تزامنت تقريبا مع ميل قيادة التجمع الإشتراكي إلى إيقاف هذه التجربة.

وكنّا شاركنا في إطار قائمات إئتلافية مع "التجمع الإشتراكي" في الإنتخابات التشريعية لسنة 1999وساهمنا في مناقشة البيان الإنتخابي مع رؤساء القائمات ثمّ في الجلسات التقييمية على إثر الإعلان عن النتائج.

ولا نظن، سيدنا الكريم، أن مساهماتنا تلك، على تواضعها، كانت موجودة خارج حقل الفعل السياسي الإيجابي، أو أنها لم تعكن معلوم لدى قادة الحزب الديمقراطي التقدمي ولدى السّاهرين على حظوظ جريدة الموقف !!!.

ولا نظن أيضا أن قادة هذا الحزب قد نسوا بعد بأننا كنّا شركاء في تأسيسه وتحمّلنا دورا لا يستهان به في الإعداد السياسي والعملي للمؤتمر بما في ذلك جوانبه اللوجيستية والإستعراضية، وبورصة الشغل شاهدة على ذلك. ولا نظن أن الأمين العام آنذاك قد تناسى أنه هو الذي أقدم على تغيير موقف الحزب من العلاقة بالحركة الإسلامية، بصورة أحادية، وهو الموقف الذي اعتبرناها مسّ بطبيعة الحزب الديمقراطية والتقدمية وأنهى تجربتنا فيه. وكان رفاقنا في المكتب السياسي واللحنة المركزية قد أصدروا بيانا للرأي العام شرحوا فيه كل هذه المعاني ووضحوا دواعي انسحابهم.

نواصل التوضيح:

ومع خروج الرفاق من الحزب الديمقراطي التقدمي أسسنا، في ديسمبر 2003، حلقة الشيوعيين الديمقراطيين التي أخذت على عاتقها مهمة تأسيس حزب شيوعي جديد، بعد أن تخلّصت من فكرة تمثيل الطبقة العاملة بحزب شيوعي واحد.

وشاركنا على التوّ في النقاشات التأسيسية للمبادرة الديمقراطية وساهمنا بقسطنا في وضع برنامجها وفي تكوين قائماتها الإنتخابية وحملاتها الدعائية، والمبادرون شهود على الدور الذي تحملناه. كما شاركنا في الإنتخابات البلدية. ولم تثنينا الصعوبات، سواء كانت الموضوعية أو الذاتية منها على تحمل مسؤولياتنا كاملة حيث أننا لم نجنح إلى الحلول السّهلة بالدعوة إلى المقاطعة أو الإعلان على عدم شرعية الحكم والحديث عن فريق حكومي أو المناداة بمجلس تأسيسي أو ما إلى ذلك من الشعارات الرنانة وغير الواقعية التي يعبر بها أصحابها على أقصى معارضتهم للنظام القائم، باسم الدفاع عن الديمقراطية ومناهضة الإستبداد، في الوقت الذي كانوا فيه من أشرس المدافعين عن أصحاب المشاريع الإستبدادية القروسطية المتسترين بالدين.

فهل هذا يعد غير كاف، سيدنا الكريم، كي تتفضل بمنحنا تأشيرة دخول الساحة السياسية باعتبارنا حزب صاحب مشروع يميزه عن غيره، حتى وإن خالفتمونا في الرأي؟

ألا تعتقدون أن آراء هذا الحزب ومواقفه نظريته الخاصة والأسس العامة لبرنامجه موجودة في الواقع خارج المعادلات الإفتراضية التي رسمتموها؟

إن المنهجية الإنتقائية، المبنية على الزور والتي لا تتقيد بالأخلاقيات الصحفية ولا بالنزاهة والموضوعية التي يتطلبها النقد والبحث العلمي، التي اتبعتموها للإجابة عن السؤال الذي طرحتموه: هل أن الحزب الإشتراكي اليساري "إضافة للحرية أم دعم للموالاة"؟، هي التي جعلتكم تتجاهلون كل تلكم الحقائق وهي التي جعلتكم تحاولون تقزيم وجودنا السياسي من خلال حصر دور حزبنا في التباين السلبي مع "الأخ اللدود" ومع "العدو اللدود" وحصر مجاله في "الهيمنة على جهاز أجوف" يمثله الإتحاد العام لطلبة تونس، وكأننا بكم تريدون القول أن مكونات المجتمع المدني السياسية والجمعياتية بخير والحمد لله لو لم يوجد هذا الكائن الطفيلي الداعم للموالاة !!!.

عفوا سيدنا الكريم !!! إننا لسنا غرباء على هذه البلاد، نحن نعرف واقع الجمعيات والمنظمات والحركات والأحزاب السياسية السماوية والأرضية والتحت أرضية ونعرف تصورات زعمائها وتمشيهم السياسي الشخصي والعام. كما أننا نعرف جميع الأطروحات بأخص خصائصها وتلوناتها.

لذلك لم يكن انتصارنا لقضية الديمقراطية عبثيا، بل أتى مؤسسا على معارضة نمط الحكم القائم وعلى التباين الواضح مع المشاريع الإستبداد العلمانية أو المتسترة بالدين، لأننا مؤمنون بقيم ومبادئ النظام الجمهوري الديمقراطية ولأننا مدافعون صميمون عن الجمهورية ضد الإرتداد.

ولذلك رفضنا التحالف مع الحركة الإسلامية ولم نقبل بتكتيك "وحدة العمل" معها.

سيدنا الكريم، إن تموقعنا ذاك من قضية الديمقراطية في بلادنا هو الذي يحكم إلينا أو علينا وهو الذي يجعلنا نمثل "إضافة للحرية أم دعم للموالاة"، وتأكد بأننا لا نأبه "بالتنبير" وبالعامّية في السياسة.

واسمح لنا بلفت نظرك إلى أن السلطة ليست في حاجة للنصح من قبل أي كان، فهي تعرف واقعنا أكثر منّا لما لها من خبراء ومختصين وأجهزة كافية وزيادة لمعرفة حالة تطور مختلف الظواهر في المجتمع.

وختاما، نتوجه بدعوة للحركة الديمقراطية كي تعمل على إرساء أخلاقيات للعمل السياسي الجاد الذي يرفع مكانتها أمام الشعب ويجعلها مسئولة على كل ما تقول وما تفعل، قبل أن تبحث على زعامته وكأنها "مهديه المنتظر". وذلك لأن الوضع داخلها ازداد سوء على سوء من جراء القلقلة والتحاليل المبنية على أساسها. والأخطر من ذلك هو أن العديد من أوساطها تحاول إعادة صياغة الأحداث والوقائع على هواها محاولة منها فسخ خصومها من التاريخ الواقعي للحياة السياسية في بلادنا. وهو سلوك كان استهدفنا من قبل البعض في تجربتي منتدى الموقف والمبادرة الديمقراطية. ويحاول اليوم السيد سعيد السلامي ومن يقف وراءه فسخنا من الوجود السياسي. وهي ممارسة شنيعة تعرض لها المناضل اليساري المعروف صالح الزغيدي حيث تمّ تجاهلها تماما في العرض الصحفي الذي قدمته الموقف حول ندوة 28 أكتوبر.

كما ندعو الحركة الديمقراطية، بكل إلحاح، للخروج من العالم الإفتراضي الذي لا يخضع لأي أخلاقيات والعودة للعالم الواقعي الذي هو في حاجة إلى الإرتقاء بأخلاقياته، وفتح حوار ساخن بين مختلف مكوناتها حول أمهات القضايا للفصل فيها وضبط قواعد تعامل جديدة قائمة على القبول بحق الإختلاف والتعامل بموضوعية مع المشاريع والآراء المختلفة، وتحديد القواسم المشترك للحد الأدني الديمقراطي الذي لا ينزل تحت سقف تبني قيم ومبادئ النظام الجمهوري والدفاع عن "الجمهورية الديمقراطية" لقيام قطب ديمقراطي وتقدمي معارض يتباين بوضوح مع مشروع المعارضة الإسلامية الذي لا يمثل بأي حال بديلا ديمقراطيا ولا هو تأصيلا لمبادئ وقيم النظام الجمهوري، بل هو مشروع استبدادي باسم الدين لا أكثر ولا أقل.

تونس في 20 نوفمبر 2007

الشباب الاشتراكي اليساري يوضح

تقديم:

يتعرض الاتحاد العام لطلبة تونس للإستهداف، من قبل أمينه العام، المسنود من بعض التيارات النقابية والسياسية المعروفة بمناهضتها لهياكله الشرعية ولتوجهاته العامة، وبرفضها احترام قوانينه ومقررات هيئاته، وذلك عن طريق محاولة تعويض هيئته الإدارية ومكتبه التنفيذي باللجنة الوطنية، في اتخاذ القرار بشأن الإنخراطات والإنتخابات وموعد عقد المؤتمر. زيادة على أنه حوّل اللجنة الوطنية إلى ما يشبه التحالف السياسي هدفه تصفية حساباته الحزبية الخاصة، مستعملا في ذلك كل الأساليب، من التشويه والتزوير وقلب الحقائق والإستفزاز وشراء الضمائر والوعود الكاذبة التي أغدقها على أصحاب الشهائد وإرهاب البعض الآخر باستعمال إشارات تؤكد دعم السلطة له، إلى تنظيم ممارسة العنف ضد رفاقه الذين حملوه لمدة عشر سنوات ودافعوا عنه بلا كلل. ومحاولة منه لشلّ الإتحاد وتعطيل التيار المناهض له فقد:

- حرض بصراحة ووضوح بعض الأطراف المساندة له، التي تعتمد العنف أسلوبا في التعامل السياسي، ضد العديد من مسؤولي الاتحاد.

- منع مسؤولي الاتحاد ومناضليه المختلفين معه حول موعد المؤتمر من التجمع بالمقر المركزي للمنظمة، فغيّر أقفاله ومكّن أناسا لا علاقة لهم بالجامعة من "احتلاله".

- تعطيل نشاط الهياكل الشرعية للمنظمة وذلك عبر إدخال مناضليها وأصدقائها في دوامة من العنف والصراعات الهامشية التي لا تخدم إلا مصلحة أعدائها.

أمام خطورة هذا الوضع الذي أضحى يهدد المنظمة في وجودها واستمرارها ارتأى "طلبة الحزب الاشتراكي اليساري"، باعتبارهم الطرف الذي يتحمل العبء الأكبر في الاتحاد، أن يتقدموا للرأي العام الوطني والطلابي بالتوضيحات التالية، حول التطورات والأحداث الأخيرة التي شهدها الاتحاد، وحول المخرج الممكن لتجاوز الأزمة.

بصدد الأسس والمبادئ التي ينبغي أن تتفق عليها الأطراف الطلابية في تعاملها مع الإتحاد العام لطلبة تونس

1- إن استعمال العنف المادي و المعنوي، في معالجة الخلافات والإختلاف بين الأطراف الطلابية، يدخل مزيدا من التوتير على العلاقات فيما بينها، ويدفع بالجامعة إلى مستنقع التطاحن والعنف المجاني الذي لا يفتح إلا على تأبيد الأزمة وتوفير التربة المناسبة التي يعشش فيها الإرهاب. لذلك ندعو كافة الأطراف الطلابية إلى عدم الانسياق وراء هذه الممارسات والتباين مع هذه العقلية والالتزام بميثاق طلابي يجعل من الحوار والنقاش الديمقراطي أسلوبا وحيدا لمعالجة الخلافات، حتى يتمكن الاتحاد من تحمل دوره في تأطير الفضاء الجامعي وفي الدفاع عن مصالح الطلبة وعن العقلانية والتقدم.

2- ينبغي أن تدرك جميع الأطراف أن وحدة المنظمة الطلابية تعني الوحدة في إطار هويتها الديمقراطية والتقدمية وانحيازها التام إلى جانب العقلانية وتباينها مع التعصب الديني والانغلاق والارهاب، و اعتبارها مكوّنا من مكوّنات المجتمع المدني الديمقراطي. لذلك فان كل سعي لقيام وحدة خارج هذا الإطار من شأنه أن يجر الاتحاد والشباب الطلابي إلى متاهات مشبوهة.

3- نؤكد على أن المسار التوحيدي لا يكتب له النجاح إذا لم يقبل جميع الأطراف التعامل مع المنظمة الطلابية باعتبارها إطارا شبابيا، نقابيا، وليست حزبا أو تجمّعا سياسيا. ويتطلب ذلك احترام قوانين الإتحاد ومقررات هيئاته وهياكله. هذه المقررات تعبّر في كلّ لحظة عن الإرادة الجمعية للمنخرطين، الذين ينتمون لتيارات مختلفة أو هم مستقلون، وتمثل القاسم المشترك بينهم. لذلك فإن كل سعي لفرض إرادة سياسية خاصة والتغاضي عن بقية المكونات، بقطع النظر عن حقيقة واقعها السياسي، يمس من استقلالية المنظمة الطلابية.

4- إن الاتحاد العام لطلبة تونس منظمة نقابية مستقلة عن كل الأحزاب والتيارات السياسية والنقابية في قراراتها، ممّا يعني رفضها لكل أشكال الهيمنة الحزبية ومحاولات توظيف القرار الطلابي خدمة لأغراض فئوية وشخصية.

وبما أن الإتحاد منظمة ديمقراطية، فإن قوانينه وهياكله تستوعب كل أنواع الاختلافات وكل التعبيرات السياسية، شريطة احترام هويته الديمقراطية والتقدمية وعدم التلاعب بإرادة منخرطيه.

إن عدم القبول بهذه المبادئ من شأنه أن يدخل المنظمة في صراعات فئوية لا تنتهي وفي حالة من الفوضى قد تؤدي بها إلى الاندثار، ويجعل من شعار التوحيد شعارا أجوف لا معني له غير الإعداد لمرحلة جديدة من التناحر.

الخلافات حول اللجنة الوطنية والمؤتمر التوحيدي:

الأمين العام يسطو على شعاراتنا ومواقفنا !!!

نود أن نشير من البداية إلى أن خلافاتنا مع الأمين العام بشأن التوحيد كانت قائمة من قبل حيث أنه حاول إعاقة كل النّقاشات التي قمنا بها مع كل الأطراف في اتجاه البحث عن حد أدنى معها. وبعد ما يزيد عن السنة من محاولات إقناعه، قبل على مضض إجراء لقاءات مع بعض الأطراف. وبذلك توصلنا إلى اتفاق مع بعض التيارات السياسية والنقابية حول قائمات موحدة في انتخابات المجالس العلمية. وقد ساهمت هذه الخطوة في إنضاج شروط الالتقاء حول ميثاق طلابي يكون أساس تشكيل اللجنة الوطنية، إلا أن الأمين العام فاجأنا بتشكيلها في انتخابات المجالس العلمية، متخلّيا عن فكرة الميثاق الطلابي التي كنّا أوضحنا للجميع أنها أساس كل عمل توحيدي.

وهكذا أصبح من المدافعين عن الوحدة في جوّ "عرائسي، تاريخي"، في الوقت الذي يعطل فيه عمل المكتب التنفيذي والهيئة الإدارية في تسيير شؤون المنظمة وتقرير مصيرها، ولا يحترم الشّرعية داخل المنظمة، التي تمثلها الإنتخابات، بقطع النظر عن الأخطاء والنقائص التي ترافقها، ويستعيض عنها بشرعية أخرى من خارج الهياكل المنتخبة، شرعية اتفاق سياسي بين مكونات اللجنة الوطنية. ومطلبنا الذي توجهنا به إليه لم يكن سوى احترام هياكل المنظمة والعودة إليها للنقاش والقرار. إذ من غير الممكن أن نؤسس لشرعية التوحيد ونحن نسمح لأنفسنا بالدّوس على الشرعية القائمة. وبعد كل هذا لا يتورع الأمين العام باتهامنا باللامبدئية وبمناهضة المسار التوحيدي.

قليلا من الجد !!!

توضيحات حول اللجنة الوطنية

1- يروج الأمين العام والتيارات المساندة له أن المجموعة المتمسكة بقرارات الهيئة الوطنية السابعة قد انقلبت عن الاتفاقات المبرمة صلب اللجنة الوطنية وأن الخلاف الأساسي تقني بحت حول موعد المؤتمر الوطني 25 واستكمال العملية الانتخابية.

لكن حقيقة الأمر تجانب ذلك، حيث أن اللجنة الوطنية حادت منذ انطلاق أشغالها عن المهام المرسومة لها والمتمثلة في ضبط أرضية سياسية نقابية عامة لعملية التوحيد تمثل الحد الأدنى الضامن للاتقاء الفرقاء والحفاظ على هوية المنظمة. فقد رفض بعض مكوناتها وعلى رأسهم الأمين العام وضع مشروع الميثاق الطلابي في جدول أعمال اللجنة الوطنية بينما تمسكنا نحن بضرورته باعتباره أساس الوحدة و التباين، والضامن لحماية المسار التوحيدي من الإنتكاس.

2- لقد عوض الأمين العام والأطراف المساندة له الهياكل العليا للمنظمة وهيئاتها باللجنة الوطنية التي ليست سوى إطار تنسيقي وضع لتقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف ومساعدة المكتب التنفيذي على تحمل مسؤوليته في عملية التوحيد.

وقد اعتبرنا أن هذه الممارسات تمثل خروجا عن الشرعية داخل المنظمة وتجاوزا لمقرراتها وانتهاكا لقوانينها.

الخلافات حول موعد المؤتمر

1- يدعي الأمين العام و الأطراف المساندة له أن تأجيل المؤتمر مرتبط أساسا بعدم استكمال العملية الانتخابية، والحال أن المكتب التنفيذي واللجنة الوطنية ضبطا موعدا أقصاه 19ماي 2007 لاستكمال الانتخابات القاعدية وعرضها على الهيئة الإدارية، كما كلفا الأمين العام وأمين المال بضبط سلسلة الانخراطات وتوزيعها على الأجزاء الجامعية.

وإلى حدود التاريخ المذكور أعلاه فإن أغلب الأطراف لم تشارك في توزيع الانخراطات وفي إجراء الانتخابات، بينما التزمنا نحن بتلك المقررات ونفذنها رغم سعي الأمين العام والأطراف المساندة له إلى تعطيل سير الانتخابات بكل الأساليب، بما في ذلك التهديد بالعنف واستعماله (انتخابات 9أفريل 2006 والحقوق 2007...الخ).

لذلك نؤكد على أن حجّة عدم استكمال الإنتخابات القاعدية هي التي كنت وراء تأجيل المؤتمر باطلة من أساسها، إذ هل يعقل أن تظل الإنتخابات، في حوالي خمسين جزء جامعي، غير مستكملة لما يزيد عن السنتين والحال أن الدورة العادية لعقد المؤتمر، حسب ما ضبطه القانون الأساسي للإتحاد، هي بسنتين؟. وقد كان الأمين العام صرّح في مناسبات عديدة، إلى حدود أواسط شهر أفريل 2007، أن موعد المؤتمر لن يتجاوز صائفة 2007. لكن سير الأحداث بيّن أن الأمين كان يعد للانقلاب على رفاقه وعلى الشرعية القائمة داخل المنظمة الطلابية، وكان يسعى لربح الوقت، كي يضع الجميع أمام الأمر المقضي القاضي بالتأجيل. ولتحقيق ذلك سعى إلى جعل مصير جميع الأطراف المساندة له مرتبطا به، لما حملها على عدم المشاركة في العملية الإنتخابية خلال السنتين الماضيتين بشتى الطرق.

ونؤكد أن تأجيل المؤتمر لم يكن لإنضاج عملية التوحيد بل لخدمة مطامعه الشخصية في الحصول على كرسي بأحد المجالس أو مكان ما تحت الشمس يليق بمقامه كأمين سابق.

2- تؤكد قوانين المنظمة على أن تحديد موعد المؤتمر هو من مشمولات الهيئة الإدارية وحدها في حين أن الأمين العام قرر بمفرده تأجيل المؤتمر وورط في ذلك اللجنة الوطنية، بتركيبتها المعدلة، وهو اعتداء صارح على قوانين المنظمة وهيئاتها، وقد أعلن في الآونة الأخيرة عزمه على طبع 10 آلاف انخراط، معتمدا على قرار للمكتب التنفيذي الذي لم يدعوه للإجتماع، بل اكتفى بمجموعة الستة المتفقين معه، في حين تمسكنا نحن بقوانين المنظمة ودافعنا عن استقلالية القرار الطلابي داخلها.

أزمة الحركة النقابية

وسبل تجاوزها



الشيوعيون الديمقراطيون

تونس في 1 ماي2004








هجوم رأس المال على الطبقة العاملة
وعدم وضوح البديل

يشن رأس المال العالمي والمحلي هجوما مركزا على الطبقة العاملة والشعوب، بدأه ببرامج الإصلاح والتأهيل وإعادة الهيكلة والعودة الى حقيقة الأسعار وأنهاه بتطبيق الإختيارات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والثقافية النيوليبيرالية. فألحق أضرارا بليغة باقتصادات عموم البلدان العربية ودفعها للدخول في أزمات حادة كان الشعب الكادح ضحيتها الأولى. وفي نفس الوقت تدفع القوى الإمبريالية في اتجاه توحيد السوق العربية. ومن الطبيعي أن لا يكون هذ السعي مصاغا في سياق تخفيف العبء على الشعوب العربية، بل، من أجل تحويل مستغليها المحليين الى ديناصورات جبارة، لا تقوى عليها إذا ما رامت التمرد والعصيان واختيار طريق غير التي رسمتها لها.
وليس من اليسير على الطبقة العاملة في بلادنا، في مثل هذه الأوضاع، أن تجد طريقها بسهولة وتنتصب واقفة شامخة في وجه هجمة رأس المال والنيوليبيرالية والإستبداد والفاشية وتفتح أمام الشعب الكادح طريق تحرره الإجتماعي.
تفتقد الطبقة العاملة في بلادنا وفي العالم لبديل واضح المعالم، بعد أن فشلت تجاربها السابقة وعاودت البورجوازية بسط سيادتها على النطاق العالمي دون منازع. ومن المنطقي أن تكون الطبقة العاملة في حاجة الى الوقت الكافي لإعادة صياغة مبادئها وإيديولوجيتها حسبما تقتضيه التطورات والتحولات التي شهدها الواقع الموضوعي وإنجازات العلم الحديث على جميع الأصعدة والدروس التي تستنتجها من خلال تقييم تجاربها السابقة. وهو عمل بصدد الإنجاز هنا وهناك، ومن الأكيد أن تجلي الملامح العامة للبديل الإشتراكي من جديد، من شأنه أن يعطيها مشروعية التقدم للساحة السياسية كطبقة صاحبة مشروع بديل وليست طبقة تابعة. وسوف تتكرس هذه الإستقلالية في ظهور أحزاب سياسية جديدة أو أن الأحزاب القديمة تجدد نفسها وتأخذ مكانها في النضال الطبقي، وهي ظواهر بصدد الحدوث حسب الظروف الخاصة التي يمر بها كل بلد وكل حركة.
لكن الأوضاع في بلادنا أكثر تعقيدا، فاليسار، القديم والجديد، لم يعرف طريقه كي يتحول الى حركة متأصلة في المجتمع، زيادة على تناحره المتواصل وحروبه الباسوسية التي لا تنتهي وروحه الحلقية والإنعزالية وضعف تملكه النظري للماركسية والتعامل معها بدغمائية فأشاع القوالب الجاهزة الجامدة مما عطل انتشار الفكر الإشتراكي في صفوف العمال وأضعف تأثيره في الحركة الجماهيرية.

هيمنة السلطة على اتحاد الشغل وأزمة الحركة النقابية

ولم يكن وضع اليسار وحده المعقد، بل إن وضع الطبقة العاملة أعقد. فقد ظلت خاضعة لهيمنة البورجوازية وتحت قيادة بيروقراطية نقابية، كانت تنتمي للحزب الحاكم الى حدود أواخر سبعينات القرن الماضي ولما أعلنت استقلالها عنه، تحت ضغط القواعد النقابية وأمام تفجرالصراعات بين مختلف شرائح الطبقة الحاكمة، أصبحت تابعة للسلطة عن طريق شراء ضمائر القادة النقابيين أو تطويعهم مكرهين عن طريق الإيقاف والمحاكمة أو تنظيم الإنقلابات تحت يافطات "الوطنية" و"الشرفاء" و"المصالحة" و"حركة التصحيح" وإعداد ملفات الفساد المالي والأخلاقي.
لقد أكدت هذه الأحداث أن الإرتباط السياسي بين الإتحاد والسلطة كان عنصرا ثابتا في الحياة السياسية والإجتماعية. وأثبتت الوقائع أن "حركة التصحيح" التي أزيح بمقتضاها السحباني لم تغير في الوضع شيئا بل عمقت تبعية المنظمة الشغيلة للسلطة، حرصا من القيادة كي تحافظ على مواقعها ومصالحها. وهو سلوك عزل الحركة النقابية عن محيطها الطبيعي ألا وهو المجتمع المدني الديمقراطي المنحاز الى جانب قضايا الحريات والديمقراطية. كما عزلها عن محيطها الإقليمي، بحيث ظلت مساندتها للشعبين الفلسطيني والعراقي محدودة ولم تخرج عن الإطار الرسمي وعن البيانات والزيارات ولم تحولها الى مساندة شعبية للضغط على السلطة وعلى المصالح الإمبريالية في بلادنا. وعزلها أيضا عن محيطها العالمي، بحيث لم يتجاوز نضالها مع الشغيلة العالمية والشعوب والأمم المضطهدة ضد العولمة وتوجهاتها النيوليبيرالية حدود المشاركة في الملتقيات والمؤتمرات والبرقيات والزيارات. رغم أن هذه التوجهات معادية للحريات والديمقراطية ولأبسط المكتسبات التي حققها العمال بعد عقود من النضال المرير. ورغم كونها تعبرعن هجوم شامل على الطبقة العاملة والشعوب الكادحة والأمم المضطهدة، لاستغلالها بصورة مركزة ونهب خيراتها ومنعها من تقرير مصيرها بنفسها.
وقد كان لهذا الوضع انعكاسات سيئة على وضع الحركة النقابية، إذ شهدت حالة تراجع وانحسار، ففترت نضاليتها وبهت إشعاعها في أوساط الشغيلة وعموم الشعب وأقفرت دور الإتحاد وساحاته وعمت الريبة من النقابيين حول نظافة أيديهم وشاع الشك في جدوى العمل النقابي وأفلت الشعلة الكفاحية التي ميزت الطبقة العاملة التونسية منذ نشأتها.
ويمكن حصر مظاهر أزمة العمل النقابي فيما يلي :
أولا تراجع دورالإتحاد العام التونسي للشغل في الدفاع عن المطالب المادية والمعنوية للشغالين بدعوى الظروف الجديدة التي تفرضها العولمة وقبوله بدور النقابة المساهمة التي ترقى بمصلحة الأعراف الى مستوى مصلحة للوطن، بدعوى تشجيع الإستثمار والحفاظ على مواطن الشغل. وقد اكتفى الإتحاد في هذا السياق بالتفاوض على زيادات لا تعوض في شيئ تدهور المقدرة الشرائية وكلفة العيش وغلاء الأسعار، في إطار مفاوضات "السلم الإجتماعية"- تختلف هذه السياسة، عن تلك التي كان قبل بها الإتحاد في عهد الهادي نويرة باعتبارها كانت قائمة على الربط بين الأجور والأسعار والإنتاج والإنتاجية- وتخلى عن نصيب العمال من الثروة الوطنية، رغم أنهم منتجوها وحرمهم من المطالبة بتحسين أجورهم خارج حدود ما تنص عليه هذه الإتفاقيات. أما فيما يتعلق بالمطالب المعنوية وخاصة الحق النقابي وحرمة العامل وحقه في مناقشة الخيارات العامة ومستقبل البلاد فقد غفل عنها تماما واكتفى بتزكية ما تسطره السلطة وما يتماشى ومصلحة الأعراف. وكما هو معلوم فإن المركزية النقابية لم تتحمل مسؤوليتها في التصدي لبرنامج الإصلاح الهيكلي ولاتفاقية الشراكة والخوصصة ومرونة التشغيل والمناولة ومدرسة الغد والسياسة الضريبية ومراجعة التأمين على المرض ولم يطالب بمراقبة مشتركة لصندوق26-26 و21-21 … وكل ما فعله هو أن ساير هذه الخيارات ووفر بذلك الفرصة السانحة للسلطة كي تمضي قدما في تطبيق برامجها دون مواجهة تذكر وللأعراف كي يمعنوا في تملصهم من التزاماتهم تجاه العمال ويشددوا وتيرة الإستغلال ويمعنوا في التعدي على الحق النقابي وعلى أبسط حقوق العمال.
ثانيا تخلي الإتحاد عن الإهتمام بالشأن العام بعد إن كان لعب دورا قياديا في بعض حقبات النضال الوطني وبعد أن كان جعل من برنامجه الإقتصادي والإجتماعي برنامجا للدولة. فقد تخلى اليوم حتى على الدفاع عن الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان، بحيث لم يعد يحمي منظوريه من التعسف والقمع ولم يعد شريكا في النضال مع مكونات المجتمع المدني الديمقراطية، دفاعا عن استقلاليتها وعن حرية العمل النقابي والسياسي والرأي والتعبير وعن حق المواطنة الفعلية وعن حق الشعب التونسي في حياة سياسية متطورة وتعددية فعلية وفي انتخاب من يمثله ومن يحكمه بكل حرية.
ثالثا وتوازيا مع هذا التدهور في دور الإتحاد ومكانته بالنسبة للطبقة العاملة والمجتمع بأسره ولدوره ومكانته على مستوى عربي وعالمي وتخليه عن الدفاع عن الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان في المجتمع فقد شهد وضعه الداخلي ترديا متواصلا تميز بمركزة مشطة دعمت التسلط البيروقراطي للأقلية الماسكة بالجهاز التنفيذي للمركزية النقابية المستعدة للتعدي على الديمقراطية النقابية حفاظا على "السلم الإجتماعية" وعلى روابطها المتميزة مع السلطة. لذلك صادرتها وحاصرتها ومنعت الهياكل والقواعد النقابية من التحرك خارج موافقتها وقضت على تقاليد العمل النقابي التي ظهرت مع بدات الحركة النقابية وأولها الإجتماع العام الذي يعزز اللحمة بين النقابيين والشغالين ويذكي حماستهم ويبلور مطالبهم ووسائل النضال من أجلها ويشحذ عزائمهم وينهض بهمهم وعوضتها بمجالس الهيئات التي تتفنن في الضغط عليها وتمييعها، زيادة على كونها تبقى رهينة ميزاج الهياكل ومواقفها. أما عن المؤتمرات فحدث ولا حرج إذ تفننت في التزوير والدوس على القوانين الداخلية للمنظمة وتصفية المعارضين بشتى الطرق والأشكال وتنصيب التوابع وإجراء مؤتمرات جنائزية، أي دون جلسات عامة وتنظيم الإقتراع بصناديق جوالة، تمنع المرشحين المعارضين من المراقبة والتحقق من شرعية الإنتخابات. وفقد المؤتمر مصداقيته من زاوية أنه لم يعد مناسبة للتقييم والمحاسبة والنقد والنقد الذاتي وضبط التوجهات القطاعية والعامة واختيار أفضل الطاقات التي ظهرت خلال الدورة السابقة لتحمل المسؤولية.
ولا يمكن اعتبار مثل هذا الوضع غريبا، إذا علمنا أن اتحاد الشغل تحول منذ أمد الى جهاز إداري يسيطر فيه المتنفذون أرباب المشاريع وأصحاب الشركات الخاصة وتفشت في صفوفه المحسوبية وساد تقديم الخدمات بالحصول على مقابل أو للمقربين والأتباع لضمان وجود حاشية تحمي المتنفذ وتديم بقاءه في المسؤولية.
وزيادة على ذلك فقد سعى المكتب التنفيذي، في مشروع "إعادة الهيكلة"، الى مزيد من مركزة القرار والنفوذ بالتقليص من عدد أعضاء الهيئة الإدارية بشكل يصبح، باعتبار المكتب التنفيذي الموسع، يمثل الأغلبية داخلها. وعلى هذا النحو يصبح بإمكان القيادة النقابية مسك الإتحاد بقبضة من حديد وضمان هيمنتها دون منازع.

مسؤولية اليسار الماركسي في أزمة الحركة النقابية

كما أن الوضع المتردي للإتحاد، تتحمل فيه القوى الديمقراطية والتقدمية وعلى الأخص منها اليسارية مسؤولية جسيمة، لأنها انخرطت مبكرا في العمل النقابي داخله واحتلت مواقع متقدمة في هياكله وهيئاته وكان لها تأثير إيجابي على نضاليته. لكنها، وهي تحاول الحفاظ على مواقعها، التي اعتبرتها وكأنها هبة من البيروقراطية النقابية أو السلطة، حبست أفقها في حدود الخطوط الحمر المرسومةا. ومع مر الأيام أصبحت هي الأخرى صاحبة مصالح خاصة، في المواقع التي احتلتها، فتحولت الى مكونة من الجهاز البيروقراطي للإتحاد. وإذا أخذنا بعين الإعتبار الأزمة التي يمر بها اليسار وحالة الضياع وعدم وضوح الأفق، ندرك تأثير الإنحسار والتراجع الذي تشهده صفوفه وضعف آداء وتقلص إشعاعه وتراجع الثقة التي كانت لمختلف مكوناته في الساحة السياسية والإجتماعية والثقافية والفكرية والفنية. والأنكى هو تواصل التناحر الفئوي بين مختلف مكوناته، لكن هذه المرة على المواقع والمصالح النفعية وما ينجر عنها من هبوط في مستوى التعامل السياسي والقيمي، بعد إن كان يدور حول السياسة والنظرية والثورة والإشتراكية…إلخ. لقد غابت التصورات البرنامجية البناءة في العمل والصراع وظهرت أمراض أخرى أرهقته مثل الإنسحابية والمغامرية اليائسة(تأسيس نقابة موازية).
ولم ينج من هذه المصيدة غير البعض ممن وجدوا أنفسهم خارج الترتيبات التي جرت في مناسبات "المصالحات" أو"التصحيحات" ومن الذين أدركوا الخطر ووجدوا مخرجا مازال في طور البلورة كعنصر جديد في الحياة النقابية.
وقد أدى هذا الوضع المعقد الى نفور الشغالين من العمل النقابي وزعزع ثقتهم بالإتحاد، حتى أن عدد من النقابيين أصبح يفكر بصورة جدية في الإنسلاخ عنه وبعث إطار نقابي آخر. وهي حلول ولدها اليأس من إمكانية التغيير من الداخل. ونود الإشارة الى أنها ليست المرة الأولى التي يصبح فيها الإتحاد أداة طيعة في يد أصحاب الحكم، وأن تحريره من عقاله أمر وارد، كنا لمسناه في محطات نضالية متعددة، وآخرها ردة فعل القواعد على عبد السلام جراد في ساحة محمد علي بمناسبة احتفالات1 ماي. وتحرير الإتحاد من هذه الهيمنة المزدوجة هي رهينة موازين القوى داخله بين المتنفذين البيروقراطيين والنقابيين الذين يمثلون الشغالين في مؤسساتهم وقطعاتهم، ورهينة مدى تجمع الوعي وتكثفه لدى النقابيين الديمقراطيين بضرورة إحياء جذوة النضال فيه وحمله على لعب دوره في الحياة السياسية والإجتماعية.
إن الخروج من الأزمة التي يمر بها العمل النقابي ممكن وفي متناول اليد إذا تحمل النقابيون الديمقراطيون واليساريون مسؤولياتهم وتوحدوا حول برنامج برنامج أدنى يحمي مصالح الطبقة العاملة وسائر الشغالين من هجمة رأس المال والنيوليبيرالية.
ومن أجل تحقيق ذلك نرى لزوما توضيح مسألة مبدئية حول المخرج، وهي هل هو مخرج نقابي بحت أم سياسي بالأساس؟

الإنحراف النقابوي يعمق أزمة اليسار

إن العمل النقابي يعنى بعلاقة العامل بالعرف، وهو إطار لا يقدر على استيعاب مجمل العلاقات الإجتماعية. لذلك يكون من المنطقي أن يندرج مفهومنا للعمل النقابي في إطار فهمنا لعلاقة الطبقة العاملة بالبورجوازية وبسائر الطبقات والفئات الإجتماعية وبالدولة وبالمحيط القومي والعالمي. وهذا يعني أنه يتعين علينا، إذا شئنا أن تكون تحاليلنا صائبة ومعالجاتنا واقعية، أن ننظر للعمل النقابي من زاوية السياسة، وخارج هذا النطاق نسقط في الترادنيونية.
فالعمل النقابي هو جزء من رؤية شمولية للمجتمع ، وسبب أزمته الراهنة تكمن في غياب هذه الرؤية الشمولية التي يتنزل فيها. كما أن تراجع التنظيمات اليسارية وغياب حزب يوحد مشاغل النشطاء ويساعدهم على التكتل والتجمع في النضال الميداني، هو الذي دفع بأعداد لا يستهان بها الى استغلال الأطر النقابية للتعبير عن مواقفهم ومشاغلهم السياسية. وهكذا وبصورة تدريجية شعروا وكأنهم يناضلون سياسيا ويقدمون أعمالا تذكر فتشكر في الندوات والتظاهرات التي تنظمها هياكلهم النقابية. ومن الواضح، وبهذه الطريقة، أنهم نزلوا بالعمل السياسي الى مستوى إعطاء العمل النقابي أبعادا سياسية وبالتنظيم الحزبي الى مستوى النقابة، ناهيكم أن البعض أصبح عاجزا على الخروج من هذه المصيدة.
لذلك نقول أن الأزمة الراهنة هي بالأساس أزمة بدائل سياسية شاملة تتنزل في إطارها الأزمة النقابية، باعتبارها جزء من كل.
إن تأكيدنا على أن التيارات السياسية في الحركة النقابية ليس لها بدائل سياسية تؤطر عملها في الإتحاد، قد يبدو مبالغ فيه إذا لم يكن من قبيل التجني . ونود تقيم التوضيح التالي، وهو أننا لا نؤخذ بحديث أي حركة عن نفسها والمعيار الأساسي الذي نحتكم إليه، في الحكم عليها أو لها، هي الممارسة. بمعنى هل خرجت تصورات هذه الحركات من إطار الحدود التي فرضتها البيروقراطية على العمل النقابي؟ والجواب بالنفي، باستثناء بعض الفلتات ! ونضيف، أن السياسة اليسارية عموما لم تخرج عن الشعارات الإستراتيجية والقوالب النظرية والسياسية، لذلك فهي لم ترق الى مستوى البديل السياسي الفعلي. لذلك، وبمجرد أن احتكت بالعمل النقابي ضمرت واضمحلت في أوساط عدة ولم يبق منها سوى الهيكل العظمي.
ينبغي أن يدرك اليسار أن الإطار النقابي لن يعوض الإطار السياسي، أي الحزبي، سواء أكان في شكل حزب أوجبهة، مهما ادعينا إضفاء السياسة على العمل النقابي لأن العكس هو الذي يحصل بالضرورة، أي حبس السياسي في الأفق النقابي.
إن غياب التصورات السياسية ومن ثمة البدائل النقابية الواعية بذاتها كروافد تصب في عمل أشمل، هو الذي حول العمل النقابي، لدى عموم اليسار من جزء الى كل، أي الى بديل استراتيجي. وعلى أساس هذه النقلة أصبحت النقابة وكأنها حزب تعتمد فيها المقاييس والروابط الحزبية فتظهر التركيبات الأحادية للنقابات وتتقلص جماهيريتها وتفقد الديمقراطية داخلها دورالمحرك في ظل فقدان التنوع والتعدد.
ونخلص الى القول أن تراجع العمل السياسي الى مستوى الإطار النقابي، حول المناضل اليساري- الثوري- الى مناضل نقابي من الطراز الإصلاحي، لأنه أصبح جزءا من الماكينة البيروقراطية التي تعمل على تنفيذ السياسة المدافعة عن مصالح البورجوازية صلب الطبقة العاملة. وشيئا فشيئا تطبع بطباعها وتشبع بممارساتها، فلف حوله مجموعة من النشطاء والمنخرطين على أساس الخدمات الشخصية التي يقدمها لهم. وأصبحت التحالفات في نظره لا تقوم على أساس مبادئ ومتطلبات موضوعية بل موجهة لأغراض انتخابية هدفها الحصول على مواقع، وهو ما جعل حليف الأمس يصبح بقدرة قادر عدو اليوم والعكس بالعكس. وأدت هذه السلوكات، التي غالبا ما تبرر"بالتكتيك"، وكأن التكتيك لا يقوم على مبادئ أو هو ضرب من ضروب "التكمبين"، إلى تورط العديد من المناضلين والتيارات في تحالفات مشبوهة وساعدت البعض على الإنخراط في "مسار التصحيح" دون أن يتمايز سياسيا وعمليا مع القائمين عليه باعتبارهم يتحملون المسؤولية نفسها والأمين العام المقال.

المخرج من الأزمة النقابية هو بالضرورة سياسي

إن المخرج من أزمة الحركة النقابية في بلادنا هو سياسي بالأساس، إذ من الضروري أن تنزل القوى الديمقراطية واليسارية حرابها وتكف عن الإقتتال فيما بينها. لا أحد ينكر أن خلافاتها لا ترقى، إلا فيما ندر، الى مستوى التناقضات الطبقية، بل هي تناقضات ثانوية في صفوف الشعب وتتطلب معالجات بصفتها تلك. والخطوة الواجب قطعها في هذا الإتجاه، تتمثل في فتح نقاش واسع وصريح حول برنامج أدنى سياسي يوحد تدخلها في المجتمع ومن ضمنه برنامج نقابي يوحد ممارستها في مختلف القطاعات.
إنه لمن المسلمات أن الهيمنة الإمبريالية في ظل العولمة ازدادت حدة وأن الهجوم المركز الذي تقوم به الإمبريالية الأمريكية على الوطن العربي وحملة التصفية التي يقوم بها شارون ضد الشعب الفلسطيني، جعلت المسألة الوطنية والقومية تطرح من جديد على المسرح السياسي بصيغ جديدة ينبغي بحثها والإتفاق في شأنها. لكن ومهما تغيرت مضامينها فهي مقرونة لدى اليسار بالمسألة الديمقراطية. ومن الشائع لديه أيضا أن المهمتين تندرجان في إطار التغييرات الإستراتيجية للتحولات التي سيشهدها المجتمع للمرور الى الإشتراكية. ومن المسلم به أيضا أن النقلات النوعية تتطلب موازين قوى راجحة الى جانب الطبقة العاملة والشعب وأن الميل الى التغيير سائد لديه في تلك اللحظة التاريخية وأن النفسية العامة للناس سائرة في اتجاه التمرد والعصيان وأن استعداد الطبقات السفلى لعمل تاريخي مستقل أصبح أكثر جلاء ووضوحا من ذي قبل، تلك هي الملامح العامة لشروط حلول تغييرات كبرى في المجتمع.
لكن، وما دمنا نعيش في حالة جزر وتراجع للوعي ورجحان موازين القوى لصالح البورجوازية والرجعية، نحن مطالبون بالعمل الدؤوب على تغيير تلكم الموازين وزحزحتها لفائدة الشعب من خلال إنجاز المهمات التي يكون قادرا على تحملها. وبالتدرج تفتح الآفاق رحبة أمامه ونقبل أمرا واقعا، لا حول ولا قوة لنا عليه، وهو أنه لا يتحرك ويهب كالعاصفة لمناطحة السماء، إلا متى أدرك بتجربته الخاصة وتعلم، في الأطر القانونية الموجودة أمامه، كيف يأخذ مصيره بيديه.

أي برنامج يمكن لليسار النقابي أن يتوحد حوله ؟

إننا نجد أنفسنا ، في مثل الوضع الذي نعيش فيه، أمام الحاجة الملحة للإرساء نظام ديمقراطي شعبي ولائيكي كبديل عن النظام الدستوري الدكتاتوري وعن مشروع الدولة الدينية للحركة الإسلامية بمختلف نزعاتها. وتحتل قضايا الحريات، باعتبارها المحمل الذي يمكن بواسطته طرح مجمل مسائل النضال الوطني والإجتماعي، المقام الأول في النضال من أجل هذا البديل.
أننا، وإذ نعمل من أجل تحقيق شعار"الجمهورية الديمقراطية"كهف مرحلي، نناضل من أجل تحقيق الحريات كأهداف مباشرة ضمن برنامج الحد الأدنى الديمقراطي. وفي إطار الحد الأدنى يتنزل العمل النقابي برمته فيصبح جزءا لا يتجزأ من النضال ضد الدكتاتورية. وأولى المسائل التي يطرحها النضال النقابي بمثل هذه الأفق هي مسألة الحرية النقابية التي تخلت عنها المركزية النقابية أمام التضييقات التي تقوم بها السلطة.
إن إدراج العمل النقابي ضمن أفق مقاومة الدكتاتورية من شأنه أن يعطيه فاعلية أكبر ويخرجه من دائرة البيروقراطية النقابية والبورجوازية.
لكن خروجه النهائي من هذه الدوائر لن يحدث إلا إذا تشكل اليسار الموحد في إطار حزب في الساحة السياسية وكتيار موحد داخل الإتحاد يتقدم أمام الطبقة العاملة وسائر الشغالين كبديل عن البيروقراطية النقابية. عندها فقط يمكن الحديث عن فتح صفحة جديدة في تاريخ النضال النقابي والحركة العمالية في بلادنا.
ويمكن ضبط المحاور العامة للبرنامج الموحد لليسار النقابي كما يلي :
1- على اليسار النقابي أن يتبنى برنامج الحد الأدنى السياسي للحركة الديمقراطية،
ويناضل مباشرة من أجل :
- إطلاق الحريات العامة والفردية كحرية التعبير والتنظيم والتظاهر والإضراب والمعتقد،
- العفو التشريعي العام،
- إقرار حياد الإدارة ورفع يد الحزب الحاكم عليها وفي المقام الأول عدم تحمل رئيس الدولة لمسؤوليات
سياسية في أي حزب،
- الإقرار باستقلال السلطتين التشريعية والقضائية على السلطة التنفيذية وبالتداول على الحكم كأساس
يقوم عليه النظام الجمهوري،
- اعتماد الإقتراع العام كأداة يعبر بها الشعب عن إرادته ويختار من يمثله ومن يحكمه واعتماد التمثلية
النسبية في انتخابات مجلس النواب والمجالس البلدية والقروية والجهوية وإلغاء التمثيل عن طريق
القائمة الأغلبية والـ%20 للمعارضة.
2- يناضل اليسار نقابيا من أجل:
- الحق النقابي بما يعنيه من حق في النشاط داخل المؤسسات(تعليق، اجتماع، توزيع،اتصال
بالشغالين…إلخ) وحق الإضراب وتحريره من تحكمية الإدارة والمركزية النقابية وترك أمر
التقرير في شأنه للقوعد والهياكل النقابية،
- المطالب المادية والمعنوية للشغالين التي تحميهم من الإهتراء وتضمن لهم ظروف عيش وعمل لائقة
وتضمن حق الشغل لطالبيه وتحافظ على مقدرتهم الشرائية من خلال مراجعة سلم الأجور والتمسك
بحقهم في التغطية الصحية والإجتماعية ورفض المشاريع الهادفة الى النيل من المكاسب الإجتماعية المهددة بالإنقراض والمطالبة بإلغاء القوانين المنظمة لأشكال التشغيل الهشة وبتسريح العمال وإحالتهم على البطالة الظرفية أو المزمنة،
- التصدي لمرونة التشغيل والمناولة وغيرها من أشكال العدوان على حق الشغل وللخوصصة ولتخلي
الدولة عن دورها الإجتماعي ولاتفاقية الشراكة وفتح اقتصاد البلاد كليا على السوق العالمية، وهي
إملاءات فرضها نسق العولمة النيوليبيرالية وصندوق النقد الدولي والبنك العالمي،
- الدفاع عن الديمقراطية النقابية داخل الإتحاد ومناهضة البيروقراطية وتعديها على القوانين وعدم
احترامها لمقررات الهيئات العليا للمنظمة النقابية وعدم التزامها بها. والنضال من أجل تطوير قوانينها بما يضمن الحرية النقابية ويحميها من كل تعد وتطوير المراقبة والمحاسبة القاعدية للمسؤولين وسحب الثقة منهم كلما ظهر بوضوح أنهم لم يكونوا في مستوى المسؤولية والثقة التي منحتها لهم القواعد وتشريك المنخرطين فعليا في اتخاذ القرار، عن طريق الإجتماعات العامة والعرائض وتوسيع صلاحيات الهياكل النقابية السفلى والوسطى تجاه منظوريها في الدفاع عن مطالبهم ومطامحهم والتقليص من صلاحيات الهياكل العليا وخاصة المكتب التنفيذي والنضال من أجل تمثيلية أوسع للمرأة صلب الهياكل والهيئات.
الدفاع عن استقلالية الإتحاد والذود عنها وذلك بالتصدي لنهج النقابة المساهمة التي تسير عليه البيروقراطية النقابية وبالنضال ضد الخيارات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية للحزب الحاكم وسلطته وفي مقدمتها الإندماج الأعمى في العولمة وخوصصة الإقتصاد وتدمير القوى المنتجة التونسية والمطالبة، في الوقت نفسه، بحل الشعب المهنية التي يسعى الحزب الحاكم، بواسطتها، الى الإستحواذ على دور المنظمة الشغيلة ووضع يده عليها مباشرة.
حمل الإتحاد على تحمل دوره في النضال الديمقراطي والوطني واحتلال موقعه ضمن مكونات المجتمع المدني الديمقراطية وعلى الوقوف الى جانب القضايا العربية العالمية ومناصرة الشعبين العراقي والفلسطيني.
تونس في1 ماي2004