samedi 11 juillet 2009

عشرة أجوبة وعشرة أسئلة حول الحزب الاشتراكي اليساري

تقديم:

بمناسبة الذكرى الأولى لتأسيس الحزب الإشتراكي اليساري، الموافقة لواحد أكتوبر2007 نقدم للرأي العام توضيحات حول توجهات الحزب ومواقفه وآرائه وعلاقاته بمختلف القوى السياسية، في شكل استجواب يطرح عدد من التساؤلات الشائعة في الساحة السياسية.

وقد تولى الرفيقان محمد الكيلاني وطارق شامخ الإجابة على التساؤلات المطروحة:

السؤال الأول:

لماذا تأسيس الحزب الإشتراكي اليساري؟

كان تأسيس الحزب الإشتراكي اليساري إستجابة لعوامل ذاتية وأخرى موضوعيّة. أما عن العوامل الذاتيّة ففيها مستويات متفاعلة جدليا مثل: الوعي والممارسة والحد الأدنى من الإنتشار والإستقرار في الأداء السياسي...

لقد مرّ الحزب بطور حلقي تمكّن فيه من حلّ أكبر معضلة وهي تقويم تعاملنا مع الماركسية والإجابة عن سبب فشل التجربة الإشتراكية وخاصة أعظمها شأنا وهي التجربة السوفياتية. فخلصنا وعينا النظري من العقائدية وغيّرنا تعاملنا مع الإشتراكيّة العلميّة ومختلف تجاربها. إذ أصبحت بالنّسبة لنا مرشد عمل. وما كان لنا أن نحقق هذه النقلة في تفكيرنا لو لم نتحل بجرأة إيديولوجية تجعلنا نقبل بما يفرضه علينا المنطق العلمي للإجابة على السؤال: لماذا هذا الفشل المتكرر للتجارب الإشتراكية والشيوعية الذي أدى في النهاية إلى انهيار تام؟ لماذا انتهت تجارب جميع الأحزاب الشيوعية من النمط اللينيني إلى البقرطة والتفسخ؟

إننا لم نتوقف في الإجابة على هذه التساؤلات وغيرها في الحدود التي فرضتها العقائدية بل تجاوزناها للبحث في أسس الفكر والنظرية والسياسة ومنهاج التنمية والثقافة التي قادت التجربة الإشتراكية العالمية إلى الأزمة والفشل وأثبتنا تناقضها البيّن مع الماركسية نفسها.

لقد فضلنا استعمال مصطلح "الإشتراكية العلمية"، في الحديث عن الماركسية والشيوعية والإشتراكية، من زاوية الفكر والسياسة والتجربة، باعتباره يحيل على إسهامات كل المنظرين والقادة الذين طبعوا مراحل من نضال الطبقة العاملة وطنيا وعالميا، واستعمال الماركسية للحديث عن فكر ماركس بالذات، خاصة وأن ماركس نفسه كان عارض هذه التسمية وأكّد مرارا بأنه لا يعتبر نفسه ماركسيا.

وقد ساعدنا تحرّرنا من العقائدية على العودة إلى اعتماد المنهاج المادي الجدلي، بشكل صائب، في قراءة الواقع، وفهم مستجدات الأوضاع الدّولية وإدراك ما شهدته من تحولات نوعية لم يعرفها منظروا الإشتراكية العلمية من قبل. كما أهّلنا للتزوّد بمرونة وأريحيّة في التعامل مع أوضاعنا المحليّة والبحث عن المخارج والحلول الملائمة والتوجه إلى العمل المشترك مع من نختلف معهم في الرأي من القوى الديمقراطية والتقدمية.

إنها التحولات في الفكر والسياسة والنظرية والمنهج السياسي التي حققناها فمثلت الرّصيد الذي أهّلنا لصياغة برنامج سياسي أسسنا على قاعدته الحزب ونشرنا ملامحه العامة في البيان التأسيسي.

وقد حثتنا الظروف الموضوعية على بعث الحزب الإشتراكي اليساري. فالإختيارات النيوليبيرالية التي فرضتها الرأسمالية في طور العولمة على جميع البلدان وربط الإقتصاد التونسي بالإقتصاد العالمي وما لها من انعكاسات على أوضاع الطبقة العاملة والشعب الكادح، والمخاطر الخارجية والدّاخلية المحدقة بالبلاد، زيادة على ضعف الحركة الديمقراطية، التي لم تع مصلحتها في بلورة قطب معارض للسلطة ومناهض للإسلاميين، على أساس بديل جمهوري وديمقراطي وضعف اليسار وعدم إدراكه لمصلحته في الوحده، باعتبارها الخطوة الضرورية للتقدم بالسياسة الإشتراكية على الساحة وتأهيل الطبقة العاملة لدخول المسرح السياسي، كلها عوامل دفعتنا إلى التفكير في بعث حزب سياسي للمساهمة، من مواقع مسؤولة، في مواجهة هذا الوضع. ولعل ما حث خطانا هو محاولة درئ مخاطر قبول بعض القوى الديمقراطية واليسارية التعامل (في شكل تحالف أو "وحدة عمل") مع حركة النهضة. وهو سعي أتى بالنسبة لبعض هذه القوى والشخصيات في تماه تام مع مشروع إصلاح الشرق الأوسط الشرق وشمال إفريقيا، الأمريكي- الأوروبي، الهادف إلى إدماج الإسلام السياسي المعتدل في الحياة السياسية وتأهيله كفريق تداول.

وما حثنا أخيرا هو درئ الرّدة الفكرية التي بات يعيشها شعبنا، تحت وطأة دعاية الفضائيات الخليجية، والفراغ القيمي الذي أصبح يعيشة كغيره من الشعوب، خاصة وأن المواطن أضحى غير مطمئن على أوضاعه المادية والسياسية وعلى مستقبله ويتعرّض لاعتداءات يومية على ذاتيته...

لكل هذه الأسباب مجمّعة أسسنا الحزب الإشتراكي اليساري عسى أن يكون عنصرا إجابيا في البحث عن الحلول، من موقعه بالطبع، للأوضاع الشائكة التي تمرّ بها الشغيلة ويسهم في تعزيز استقلالية القرار الوطني والتصدي للمخاطر المحدقة ببلادنا وشعبنا، والإسهام في توحيد الحركة الديمقراطية واليسار حول بديل جمهوري ديمقراطي.

السؤال الثاني:

هل أن الساحة السياسية في تونس في حاجة إلى حزب شيوعي جديد، والحال أن حزبين شيوعيين ينشطان بها، إلى جانب بعض المجموعات الأخرى؟

إن الإشتراكية العلميّة كنظرية نسبيّة تقبل بالتنوع والتعدد، على خلاف ما يعتقده البعض. فهي مرشد عمل وليست عقيدة أو منظومة مغلقة. لكن هذا التنوع والتعدد الذي يدخل في نطاق الإشتراكية العلمية لا يقبل بالإنقسامية والتشرذم والعداء والتنافر الذي يحصل بين تعبيراتها السياسية، كما هو الحال عندنا اليوم وكما دأبت عليه الحركة الشيوعية العالمية. إن النظرية الإشتراكية قائمة على المنهج المادي الجدلي، وبالتالي على وحدة الأضداد، وهي رؤية للعالم تتعامل معه وهو متعدد ومتنوع. والأمر يستقيم أيضا من الزاوية الإجتماعية، فالطبقة العاملة، وإن كانت تحمل خصائص عامة موحّدة تميّزها عن سائر الطبقات الأخرى متأتية من موقعها في عملية الإنتاج ومن تملك وسائل الإنتاج، فهي طبقة حيّة يرد عليها باستمرار وافدون جدد ويخرج من صفوفها بحكم العمر والتسلق الطبقي، شرائح بأكملها، وتتشكل بطبيعتها من مستويات مختلفة ومن شرائح تتميز فيما بينها بالأجر والوعي. وللطبقة العاملة صيرورة تشكل تاريخي خاصة، فهي متحوّلة مع الزمن ومع كل انقلاب هيكلي تشهده المجتمعات ويمكن أن تشهد تحولات كمّية ونوعيّة. ولكل هذه العوامل لا يمكن لحزب أو لمجموعة تتبنى الإشتراكية العلمية أن تدعي أنها تمثل بمفردها المصالح الجوهرية للطبقة العاملة بل إن القاسم المشترك بين هذه الأحزاب والمجموعات هو الذي يعبر بالقوة، في طور التأسيس، عن المصلحة الجوهرية للطبقة العاملة، وهو الذي لمّا يتشكل في حزب يساري موحد ويرتبط بحركتها الإجتماعية، يصبح ممثلها السياسي بالفعل. وهذا الحزب لم يحن ميلاده بعد، فاليسار لم يحقق بعد قطيعته الإبستيمولوجية والخلافات، بين فصائله، عميقة وتاريخية، وتجاوزها مازال في خطواته الأولى.

لذلك نقول، إن الساحة السياسية في تونس في حاجة إلى حزب شيوعي جديد أو أكثر، ولن يضرّ ذلك بقضية الطبقة العاملة والإشتراكية إذا ما عرفت هذه الأحزاب كيف تقيم إئتلافا يساريا متماسكا في نضالها السياسي والنظري والإجتماعي.

السؤال الثالث:

ما هي أوجه الخلاف بينكم وبين حزب العمال الشيوعي التونسي وحزب العمل الوطني الديمقراطي؟

إن الإختلافات بيننا وبين الحزبين تتعلق بالعديد من القضايا الفكرية والنظرية والسياسية، وهي اختلافات تظهر في أدبياتنا ولم تناقش كي نتمكن من حصرها على وجه الدقة.

لقد تقدمنا بأطروحات جديدة كل الجدة، تمس عديد الأوجه والمستوايات، إذ:

- لنا تقييم خاص للتجربة الإشتراكية (السوفياتية خاصة) سوف نطرحه على الساحة السياسية في القريب العاجل.

- لنا نظرية خاصة لحزب الطبقة العاملة بلورناه في تقييم تجربة الحزب من الطراز اللينيني التي فشلت فشلا ذريعا.

- لنا تقييم خاص للعولمة ولتناقضاتها فنحن نراها مرحلة خاصة من تطور الرأسمالية وهو ما أهلنا إلى رؤية خاصة للعصر تختلف عن تلك التي بلورها لينين في بداية القرن.

- لنا ملامح عامة لبناء الإشتراكية، سواء في مستوى بناء الدولة الديمقراطية من النمط الجديد، قوانين ومؤسسات ومجتمع مدني ومجتمع سياسي، أو في مستوى التصورات العامة للتنمية الإقتصادية والبشرية والثقافية....

- هذا دون تعداد الإضافات التكتيكية في خصوص تحديد شكل الدولة والتناقضات والتحالفات...

ولنا، في هذا الباب، خلافات خاصة مع حزب العمال تتمحور أساسا حول "وحدة العمل" التي يقيمها مع حركة النهضة الداعية لمشروع استبدادي متستر بالدين والمنخرطة في مشروع "إصلاح الشرق الأوسط وشمال إفريقيا". ولنا خلافات معه حول كيفية النضال في أطر المجتمع المدني وفي المنظمات الجماهيرية وحول كيفية التعاطي مع خصوصياتها، زيادة على سلوكه السياسي العام في علاقة بالأوضاع وعلى استخفافه بالعمل القانوني.

أما عن اختلافاتنا مع حزب العمل فلا يمكن ضبطها بدقة، فهو إن طرح الأطروحات الوطنية الديمقراطية القديمة للمراجعة، فإن الأطروحات الجديدة مازالت في طور البلورة.

ورغم ثقل التجربة النقابية والحلقية التي تثقل خطى هذا الحزب، فقد تقدم خطوات نحو العمل السياسي، حيث تقدّم بطلب تأشيرة، وهو يشارك قوى ديمقراطية ويسارية في تجربة "المبادرة/الإئتلاف".

ونحن نناقش باستمرار ونتقدم بخطى ثابتة في اتجاه دعم وحدتنا وتأصيلها نظريا وسياسية وعمليا.

ونأمل أن يتقدم عملنا المشترك عسى أن يسهم في تحسين الأجواء لبعث إئتلاف يساري يكون، بتحالفه مع القوى الديمقراطية العلمانية، صاحب بديل جمهوري ديمقراطي.

السؤال الرابع:

قبل تأسيس الحزب الإشتراكي اليساري، ألم يكن من الممكن البحث مع هذين الحزبين لتأسيس حزب واسع يضم الشيوعيين في تونس؟

إن تأسيس الحزب الإشتراكي اليساري ليس رغبة في مزيد الإمعان في التشرذم ولا هو إضافة رقم جديد بدون هوية. لقد كنا على وعي تام بضرورة الإضافة للخروج من الأزمة التي يعاني منها الفكر الإشتراكي العلمي واليسار. كما كنا على وعي بأن تأسيس حزب واسع يضم الشيوعيين في تونس مستحيل اليوم. لأن الخلافات المتراكمة تحول دون ذلك. ولكن هذا لا يعني استحالة التوافق وتحسين العلاقات وتطارح أمهات القضايا والإلتقاء حول محاور نضالية جزئية أو قطاعية. وقد يفضي هذا إلى بعث إئتلاف يساري، وهو رهين توفر الإرادة السياسية. ونحن نعتقد أنه شأنا يسير التحقيق. ونود التأكيد على أن تأسيس الحزب الإشتراكي اليساري لن يمثل عائقا أمام الوحدة، بل سيكون أداة تذليل كل الصعوبات من أجل التقدم بخطى ثابتة في اتجاه توحيد قوى اليسار، ولما لا تأسيس حزب سياسي للشيوعيين وطلائع الطبقة العاملة، حزب عصري وديناميكي.

السؤال الخامس:

يلاحظ من خلال بعض الوثائق التأسيسية للحزب أنكم قمتم بمراجعات نوعية لم يسبق أن عرفتها الحركة الماركسية اللينينية في تونس. وشملت هذه المراجعات بعض أسس الفكر الشيوعي. ما هو مدى هذه المراجعات؟ وما هي متطلبات المرحلة التي فرضت عليكم ذلك؟

أولا، نحن نتبنى فلسفة المادية الجدلية والمادية التاريخية والإقتصاد السياسي الماركسي والإشتراكية العلمية، ونعمل على تطويرها وإغنائها بما راكمته طوال تجربتها الماضية وبما أضافه التطور العلمي والتقني والإجتماعي المعاصر. وانطلاقا من هذه المبادئ قيمنا التجربة ونقدنا الفكر والسياسة الذين قادا إلى الفشل والأزمة.

فالإشتراكية العلمية مازالت راهنية وهي تتطلب الإغناء والتطوير وتملك روح العصر، أما السياسات والتجارب الخصوصية فليست نماذج وأنماطا نتقيّد بها. وهي تجارب نستفيد من نجاحاتها كما من فشلها.

إننا نعتقد أن الأزمة التي تعيشها الإشتراكية العلمية، أزمة حقيقية وليست مفتعلة، ونعتقد أن لا خروج منها دون قطيعة جذرية مع الفكر والسياسة المتأزمين والذين قادا إلى الفشل. فهي قطيعة معرفية حقيقية تفتح آفاقا أرحب، استجابة لمتطلبات المرحلة. إن تقييم التجربة الإشتراكية ليس عملا تاريخيا فحسب بل مستقبليا أيضا. والذي عاقنا على رؤية التحولات الجارية أمام أعيننا، هي الترسبات التي تركتها التجربة الماضية. إننا لم نحدث تغييرات شكليّة على الفكر الشيوعي كي نتأقلم بشكل برغماتي وانتهازي مع الواقع، فذلك لن ينقذنا من الفشل مجددا، بل إن ما قمنا به هو انقلاب في العقلية وفي التعامل مع الإشتراكية العلمية، فتح أمامنا أفقا أرحب في التعامل مع الحاضر والمستقبل، وهي عملية متواصلة قطعنا خطوتها الأولى ولا ندعي أننا نحمل فيها الرأي الأخير أو المنتهي.

السؤال السادس:

خلال فترة السبعينات وحتى بداية الثمانينات كان كل من يقوم بمراجعات فكرية داخل الفكر الشيوعي، يوصف بـ"التحريفي" و"الإصلاحي". هل مازالت هذه التوصيفات ممكنة؟

كان التعامل مع الإشتراكية العلمية خلال السبعينات، وقبلها وبعدها، على أساس أنها عقيدة، لذلك كان كل من له رأي يخرج به عن "الإجماع" يعتبر تحريفيا وإصلاحيا... وهو ما حكم على الفكر الإشتراكي العلمي بالجمود والتكلس.

ولكن الأزمة الشاملة والفشل الذي أصاب التجربة الإشتراكية لم يترك لأي كان التعلة لعدم إعمال العقل والبحث في أسباب الفشل، "ورب ضارة نافعة". واليوم لم يعد من المقبول، ولا من المعقول أن يكرر أي مدع أنه صاحب الفكر المنزل أن يتهم غيره بكونه تحريفي أو إصلاحي، اللهمّ إن غير أسس الفكر، عندها فقط تصبح النعوت في مقامها. لا يمكن اليوم الحديث على أن الحزب الشيوعي، مثلا معني بالإشتراكية، وقد تحوّل إلى حركة التجديد التي تعلن صراحة أن مرجعيتها الفكرية متنوعة، ولا تمثل الماركسية فيها إلا مكونة من المكونات. وهناك أحزاب ومجموعات أخرى تتبنى الأطروحات القديمة دون تغيير، من قبيل الدفاع عن المبادئ. ونحن في الحزب الإشتراكي اليساري، وإن كنّا نتبنى الفلسفة والإقتصاد السياسي الماركسي والإشتراكية العلمية فمن زاوية نظرنا الخاصة.

لذلك، فإن الإنقسام الكبير هو بين من يواصل تمسكه بالفكر الإشتراكي وبين من تخلى عنه، وفي هذا المستوى يمكن الحديث عن تغيير مرجعي وليس عن تحريف. ونحن على العموم لا نحبذ هذا الإستعمال لأنه يحيل على الجمود العقائدي والتعامل التقديسي مع النظرية والإيديولوجيا الإشتراكية. أما بالنسبة للأطروحات التي تتمسك بالإشتراكية مرجعا وتأخذ صيغا نظرية وسياسية وتنظيمية مختلفة، فإننا نعتبرها في سياق الفهم المختلف لإشتراكية وتعبير متنوع عن انتمائية واحدة، وفي النهاية تمثيل متعدد لطبقة واحدة. والغريب في الأمر أن التمثيل المتعدد لطبقة واحدة يقبله الجميع، دون معارضة تذكر، إذا ما تعلق بالبورجوازية، لكن أغلبهم ينكره على الطبقة العاملة !!!.

السؤال السابع:

تعرف الحركة الشيوعية العالمية منذ أكثر من عقدين حالة تراجع واضحة، حسب اعتقادكم، ما هي السبيل الكفيلة لتحتل هذه الحركة من جديد دورها الطلائعي؟

يكمن سبب حالة التراجع التي تعيشها الحركة الشيوعية لأكثر من عقدين إلى تبنيها الفكر والسياسة اللذين قادا إلى فشل التجربة وأزمة الحركة. لذلك نرى أن ما قمنا به في الحزب الإشتراكي اليساري يعدّ الخطوة الأولى للحل الصائب للخروج من حالة التراجع.

ويتمثل ذلك في:

أولا، التخلص من العقائدية والدغمائية في التعامل مع الفكر الإشتراكي العلمي وهذا يجر حتما إلى تقييم جدي وعلمي للتجربة الإشتراكية.

ثانيا، لا بد من فهم عميق للعولمة ولتناقضاتها وعلى هذا الأساس يمكن لكل حزب أن يبلور المخرج التكتيكي الخاص لبلده. وهذا العمل بدأنا نتلمسه عند عديد الأحزاب والحركات الشيوعية في العالم وعلى أساسه بدأ البعض منها يتلمس طريقه للفعل السياسي والعمل الموحد ضد العولمة وضد السياسة العدوانية الأمريكية وضد الصهيونية وضد الديكتاتورية واليمينية والإرهاب. ويبقى التوحد الأممي بين أحزاب الإشتراكية العلمية هو المخرج الحقيقي حتى تتوحد النضالات وتجد الطبقة العاملة العالمية ضالتها فتحتل الحركة الشيوعية من جديد دورها الطليعي.

السؤال الثامن:

في علاقة بالشأن الوطني، عرفتم برفضكم التعامل مع حركة النهضة، رغم أن هنالك من يعتبرها حركة معتدلة لها دور في مقاومة التطرف والإرهاب، هل أن لموقفكم هذا دوافع سياسية أم إيديولوجية وعقائدية؟

إن الحزب الإشتراكي اليساري هو حزب مدني له برنامج سياسي، ذو خلفية إشتراكية علمية. لكنه، ليس جمعية للتبشير بالإلحاد، ولا يتمثل دوره في المجتمع في معاداة الدين والتدين بل في تحرير المجتمع من الإستغلال الإنسان للإنسان.

وزيادة على ذلك فإن الحزب الإشتراكي اليساري يعتبر أن الدين والتدين مسألة خاصة تهمّ الإنسان الفرد، بينما التعاطي مع السياسة هو شأن عام يهمّ كل السكان، لذلك يناضل فهو من أجل إشاعة حرية المعتقد وتحريره من التوظيف السياسي وتحرير السياسة من التأويل الديني.

وعلى هذا الأساس فهو يعتقد أن الجمهورية لن تكون ديمقراطية إلا إذا كانت الدولة قائمة على أسس علمانية ولائكية.

ذلك هو موقفنا من الدين والتدين، أما في ما يتعلق بموقفنا من حركة النهضة والحركة إلإسلامية بصورة عامة فهو موقف سياسي وإيديولوجي، يتعلق بالموقف من الإستبداد والفاشية وبنمط الحكم والمجتمع الذي تتبناه. فحركة النهضة الحركة الإسلامية تريد إقامة دولة استبدادية متسترة بالدين، وتجعل من الإرهاب الإيديولوجي والسياسي والديماغوجيا السياسية والإجتماعية والثقافية أساس فعلها السياسي. وتحاول حركة النهضة منذ مؤتمرها السابع أن تظهر بخطاب جديد يستبطن المشروع الديمقراطي، غير أنها خدعت نفسها بنفسها حيث أنها أكدت في مؤتمرها الثامن على أنها بقدر ما تقبل التفاعل في التحاور والنقاش مع الأطراف العلمانية فهي ليست مستعدة للمساس بما في نص صريح، وفي هذا الشأن ففي الحاكمية (أي نمط الحكم) والحدود (حرية المعتقد وحقوق الإنسان) وعدم المساواة بين المرأة والرجل، نصوص صريحة، تجعلنا وإياها على طرفي نقيض.

وزيادة على ذلك نحن نعارضها كلّيا بشأن العلاقة التي تجمعها بالإمبريالية العالمية وبصورة خاصة بالإمبراطورية الأمريكية التي تضعها ضمن مشروع "الشرق الأوسط وشمال افريقيا".

ونظيف بأن موقفنا من الأحزاب والحركات مرتهن بموقع كل منها في التناقض الرئيسي الذي يشق المجتمع والذي يعبر عن نفسه في صيغته الإستراتيجية والمرحلية، وهو محكوم بالتناقضات الأساسية الثلاثة التالية:

- التناقض بين الإمبريالية، في صيغتها المعولمة النيوليبيرالية، من ناحية، والشعب التونسي والوطن من ناحية ثانية.

- التناقض بين الطبقات السائدة والطبقات المسودة.

- التناقض بين رأس المال والعمل.

وهو في صيغته الإستراتيجية لا يحلّ إلا بحلّ مكوناته الثلاثة.

أمّا في صيغته المرحلية فهو يعبّر عن نفسه في التناقض بين الديمقراطية، من ناحية، والإستبداد والدكتاتورية، من ناحية أخرى. وبما أن حركة النهضة قد اختارت نمط حكم معاد للديمقراطية ولقيم ومبادئ الجمهورية لذلك نرفض التعامل معها ونناضل ضدها لكشف حقيقتها وحقيقة مشروعها أمام الشعب.

ومن زاوية النظر هذه فإن تقسيم الحركات الإسلامية إلى تيارات معتدلة وأخرى متطرفة هو تقسيم واهم أو يبث الوهم حول هويّة هذه الحركات وحول مشاريعها وبرامجها وإيديولوجيتها، لأنها عموما، على تنوعها واختلاف أساليب عملها، صاحبة هدف واحد، يتمثل في إقامة الدولة الإسلامية.

وزيادة على ذلك فهي تعمل بالتوافق مع الدول الإستعمارية للوصول إلى السلطة، حيث أن تنظيرات "الإسلام المعتدل" قد وردت ضمن "مشروع إصلاح الشرق وشمال إفريقيا"، الأوروبي/الأمريكي، الذي يهدف إلى تحويل وجهة الإرهاب نحو بلدان المنشأ وتمكين الإسلاميين من المشاركة في الحياة السياسية في عملية ديمقراطية شكلية لا تتجاوز حدود "صندوق الإقتراع". فالأمريكان يريدون تصدير نمطهم إلى العالم عبر مشاريع "الإصلاح الديمقراطي"، حيث أنهم يريدون بعث قطبين تابعين لهم يتداولان على السللطة تمثل الحركة الإسلامية أحدهما. وهو تناوب قد يوهم الشعب بأن الديمقراطية قائمة باعتبار أن الفيصل في الحياة السياسية قد أصبح "صندوق الإقتراع".

كما أن الحكم على أي حركة أو حزب سياسي يقوم فيما يقوم على مدى قبوله بالعمل المدني وعدم توظيفه للدين في الشأن العام وعلى مدى قبولها بالدولة الديمقراطية، أي بالجمهورية أم لا !!!. والحركة الإسلامية، عموما، حركة تعادي الجمهورية وتتبنى الدولة الدينية، وتاريخها حافل بالإرهاب الإيديولوجي والسياسي والمادي، رغم أن منها من يتظاهر بالإعتدال. زيادة على أن مشروعها في جوهره معاد للحريات والديمقراطية مهما كانت الحدود التي تكون عليها، وهو عموما المحظنة التي يفرخ فيها الإرهاب الديني، وتكفي العودة لأدبياتها وتصريحات قادتها ومقررات مؤتمراتها، بإمعان كي يكتشف القارئ حقيقة ما نقول.

لذلك نحن نعتقد بأن موقفنا من حركة النهضة وغيرها من مكونات الحركة الإسلامية حددناه من المشروع الذي تريد فرضه على المجتمع، وهو موقف نحن منحازون به إلى جانب الشعب التونسي، في التناقض الرئيسي للمرحلة الراهنة الذي يقابل بين الديمقراطية من جهة والإستبداد والدكتاتورية من جهة أخرى، وينير له السبيل كي لا يرتهن بحركة استبدادية متسترة بالدين، فيكون مصيره مثل مصير الشعوب العربية والإسلامية التي تعاني من وطأة الأحزاب الدينية، تلك الأحزاب التي قبلت التعامل مع الغزاة وجعلت من أراضيها مرتعا للجيش الأمريكي وللرأسمال العالمي النّهاب...

السؤال التاسع:

يعتقد بعض المراقبين أن هذا الموقف يخدم في نهاية الأمر السلطة التي تسعى إلى محاصرة هذه الحركة وعزلها، فما هو ردكم؟

إن الموقف القائل بأن نضالنا ضد حركة النهضة والحركة الإسلامية عموما، يخدم السلطة، هو موقف ينمّ عن عقلية تآمرية، وهذا ما ليس لنا به شأن.

نحن معارضون للسلطة، فهل يعني ذلك أننا نخدم النهضة أو أننا مستعدون للتحالف معها؟ كلا !!

نحن نعتقد أنه من الضروري والأجدى تجاوز تبسيط الصراعات السياسية بشكل يجعل من كل معارض لهذا الطرف أو ذاك حليف بالضرورة لهذا الطرف أو ذاك. كما علينا أيضا تجاوز الإستقطاب الثنائي بين السلطة والنهضة الجاثم على عقولنا كي نتمكن من التفكير بحرية ونرى التناقضات كما هي في الواقع وليس كما تشتهيها نفوسنا.

إن الوضع أعقد من ذلك، فنحن نعارض السلطة كما نعارض النهضة ولكن لكل معارضة محاورها وشكلها الخاص.... وبرغم أن للسلطة مواقف معادية للنهضة فنحن نعارضها في تعاطيها الأمني معها.

إننا نرى أن الساحة السياسية ثلاثية الأقطاب وليست ثنائية والصراع يجري فيها بين السلطة وحلفائها وبين حركة النهضة وحلفائها وبين القطب الديمقراطي والذي لا بدّ له من أن يتبلور وينهض باستقلالية عن القطبين الأولين.

السؤال العاشر:

حسب اعتقادكم ما هو المطلوب من الحكومة التونسية في الوقت الراهن؟

المطلوب من الحكومة التونسية اليوم هو إطلاق مجالات وفضاءات الحرية وجعلها غير قابلة للنقض وتجريم التعدي عليها وتحرير الدين من التوظيف السياسي والسياسة من الضغط الديني وجعل الإقتراع العام الأساس الشرعي للنظام السياسي وللحياة السياسية وإجراء إصلاحات دستورية وتشريعية تؤصل مبادئ وقيم وآليات النظام الجمهوري وتمكين الإعلام من لعب دوره في نقل المعلومة والخبر من مصادره بكل حرية، كي يكون رقيبا وسلطة رابعة فعلية، ومن نشر مبادئ الديمقراطية والقيم الإنسانية النيرة.

إن مثل هذه الإجراءات وغيرها من شأنها أن تخلق مناخا سياسيا سليما قادرا على أن يسمح بفرز القوى الديمقراطية من دونها، وعلى أن يفتح الطريق أمام التحول الديمقراطي للجمهورية ويغلق الباب أمام تيارات الإرتداد من أي منشئ كانت.

كلما أشيعت الحرية في المجتمع يتحرر العمل السياسي من المكبلات التي تعيق تطوره، ومن بينها توظيف الدين والتستر به لإخفاء الأهداف الحقيقية لهذا الحزب أو ذاك، فيتحوّل إلى فعل إيجابي مداره البرامج والبدائل، وفي ذلك فائدة كبرى للشعب الذي تتوفر له فرصة التعرف عليها والحكم لها أو عليها بعيدا عن الضغوطات العقائدية.

لا شك في أنه لمّا تكون حرية المعتقد مشاعة في المجتمع والحريات مشاعة ومصانة، فإن البساط يسحب آليا من تحت أقدام أي إنتهازي يريد توظيف الدين وخداع الشعب باسم المقدس.

نحن نعتقد أن الدولة ليست وحدها المسؤولة على ما يجري في المجتمع، فالمجتمع المدني مسؤول بالقدر نفسه باعتباره يمثل المناعة الذاتية المكتسبة التي تحد من مخاطر الحلول والنزعات المغامرة، وهو عامل لا يمكن للمناعة الأمنية للدولة تعويضها، اعتبارا وأن الأمن لا يعوض السياسية لأن المجتمعات لا تساس بالأمن فقط.

والجدير بالذكر، أن ضيق مجال الحريات السياسية من شأنه أن يشيع العماء السياسي الذي من شأنه أن يغيّب المصلحة العامة ويضيّع على الشعب إمكانية التدخل الفعال في الحياة السياسية وفي الخيارات الكبرى للبلاد ويفرض عليه الهامشية ويتركه فريسة للوهم والمغامرة والخرافة.

إن غياب أطر للمجتمع المدني مستقلة وديمقراطية، من شأنه أن يترك المجتمع عرضة للآفات التي لا يمكن حصرها والتي لا يمكن مواجهتها أمنيا مهما كانت نجاعة تدخل الدولة في هذا المجال.

لقد أصبح الإعلام معولما وكذلك الإرهاب ولذلك لا يمكن أن تواجه السلطة هذه الأوضاع المستجدة بالتعويل على إدارة الشأن العام بالأساليب القديمة، فهي في حاجة أكيدة لتوسيع مشاركة الشعب في الحياة السياسية، وتمكين المجتمع المدني من التحول إلى سلطة مضادة قادرة على تعديل سياسات السلطة وكيفية إدارتها للحياة العامة.

وختاما:

بماذا تتميز هوية الحزب الإشتراكي اليساري بإيجاز؟

إن الحزب الإشتراكي اليساري مرّ بطور من العمل الحلقي طويل نسبيا وأصبحت هويته معروفة ويمكن إيجاز بعض عناصرها فيما يلي:

1- يتبنى الحزب الإشتراكي الإشتراكية العلمية كخلفية نظرية لسياساته وممارساته وهو يهدف إلى تحقيق الإشتراكية التي يعتبرها نتاجا لما تحقق من تقدم ورقيّ في ظل الرأسمالية ويعمل على تجاوزه عن طريق مخططات البناء الإشتراكي التي تسعى إلى إرساء توافق بين الطابع الإجتماعي للإنتاج والتملك وإلى تحرير الإنسان من الإستغلال والإضطهاد.

2- يعتقد الحزب الإشتراكي اليساري أن بلادنا بإمكانها أن تدخل عصر التحولات الديمقراطية والتحرر السياسي والإجتماعي، وأن تتحول الجمهورية إلى الديمقراطية الشعبية.

3- يتبع الحزب الإشتراكي أشكال نضال مدنية توفر الفرصة للمواطن بأن يكون عنصرا فاعلا وإيجابيا في الحياة السياسية وفي المجتمع بصورة عامة. لذلك فهو يعارض الأساليب الأقلية والإرهابية، كما يعارض توظيف الدين في السياسية أو تطويع السياسة للدين.

4- يرفض الحزب الإشتراكي اليساري، بصورة مبدئية، أي تعامل أو تمويل من جهات أجنبية رسمية، ويتعاون مع القوى الديمقراطية والتقدمية في البلاد وفي العالم.

5- يرفض الحزب الإشتراكي اليساري التدخل في الشأن الخاص لأي حزب أو جمعية أو منظمة ويعارض طرق النضال الفوضوية التي لا تحترم خصوصيات مكونات المجتمع المدني.

6- الحزب الإشتراكي اليساري هو حزب معارض للسلطة ومناهض للمشروع الإستبدادي باسم الدين الذي تعمل الحركة الإسلامية بمختلف تعبيراتها على إقامته.

تلك هي بعجالة مميزات هوية حزبنا، وقد خبرنا المجتمع السياسي والمدني طوال عقد ونصف على الأقل، ونحن مقتنعون بأن لنا ما نظيف في الحياة السياسية ولنا ما نقدم لبلادنا وشعبنا، لذلك أقدمنا على التشكل السياسي كي نجعل من تدخلنا عملا مسؤولا أمام المجتمع.

تونس في 1 أكتوبر2007

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire