lundi 13 juillet 2009

البيان التأسيسي للحزب الاشتراكي اليساري

تأسس الحزب الإشتراكي اليساري، في 1 أكتوبر 2006، بعد أن وضع الأسس، النظرية والسياسية، لبرنامجه وضبط أهدافه العامة والمرحلية التي يتقدم بها للطبقة العاملة وعموم الشعب التونسي والرأي العام، وهي عبارة عن تأليف للأطروحات والمواقف والآراء التي عرف بها مناضلوه في الحركة الديمقراطية.

إن تأسيس الحزب الإشتراكي اليساري ليس إضافة رقم جديد في الساحة السياسية ولا هو إمعان في مزيد شرذمة اليسار، بل هو تلبية لرغبة جمع من المواطنين والمواطنات في الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة والشعب والوطن أمام المخاطر التي تتهددها الداخلية والخارجية وعن آرائهم الخاصة التي ميّزتهم في الساحة السياسية عن غيرهم، في المبادئ والنظرية والأهداف والبرنامج وأساليب النضال والتمشي السياسي، دون أن يجعلوا منها حواجز بينهم وبين سائر القوى اليسارية والديمقراطية.

فالحزب الإشتراكي اليساري وهو يرفع راية الإشتراكية من جديد، كان قد وقف على أخطاء تجربتها الماضية، في الإتحاد السوفياتي وفي بلدان الكتلة الشرقية- سابقا-، وله مقترحات بديلة سوف يعرضها على الرأي العام للبحث والنّقاش. كما أنه، وهو يتبنى الإشتراكية العلمية، يضفي عليها روح العصر، لأنه أدرك أهمية الإثراء الذي أدخلته الثورات العلمية والتقنية والإتصالية على الفكر الإنساني عامة وعلى الفكر الإشتراكي بالتحديد، وأدرك أيضا أهمية التغييرات التي أحدثتها في الواقع، ومسك بالتّحولات التي أدخلتها الرأسمالية، في مرحلة العولمة، على الأوضاع الدولية والإقليمية والمحلية وعلى الطبقات الإجتماعية وعلاقاتها ببعضها البعض، وتمثّل ما يتطلبه ذلك من حاجة إلى تطوير المفاهيم والمقولات والنظرية كي يتمكن من إيجاد المخارج والحلول للتناقضات القائمة في المجتمع لتحريره من استغلال واضطهاد الإنسان للإنسان.

التحولات التي تشهدها الرأسمالية

في طورها الراهن

والأوضاع الدولية

غزت الرأسمالية جميع الأقطار وصبغت الإنتاج والتوزيع والإستهلاك بصبغة "كسموبوليتية" فنزعت عن الصناعة أساسها الوطني وولّدت حاجات جديدة بدل الحاجات القديمة وفرضت نمطا استهلاكيا حول الإنسان إلى سلعة ومنحت رأس المال حرية الحركة والإستيطان بعد أن أزالت من أمامه كل العراقيل والحواجز القانونية والسياسية والجمروكية والقومية وبعد أن حققت ثورات علمية وتكنولوجية واتصالية وإعلامية أحدثت انقلابا كليا في جميع المجالات.

وكان لهذه التحولات انعكاساتها المباشرة على أساليب وعلاقات الإنتاج التي شهدت تحولات مذهلة، حتى أنها حولت العلم والمعرفة إلى وسيلة إنتاج، مما أحدث تغييرات أساسية على بنية الطبقات الإجتماعية، بما في ذلك الطبقة العاملة.

لقد أصبحت علاقات الإنتاج "الوطنية"، التي كانت تمثل دائرة فعل رأس المال "الوطني"، علاقات إنتاج "عالمية" تمثل دائرة فعل الرأسمال "العالمي" أو"الرأسمال المعولم". فظهرت الإحتكارات العالمية، الشركات متعددة الجنسية، التي أصبحت تشكل القاعدة الأساسية للإقتصاد الرأسمالي العالمي، وتراكمت الثروة بين أيدي أقلية احتكارية عالمية، بشكل لم يسبق له مثيل، قابلها تنامي البؤس والبطالة، في البلدان الفقيرة والغنية سوية، بشكل حكم على ما يناهز عن مليار بشر بالعيش تحت حاجز الفقر وعلى أربع مليارات أن تعيش على مشارفه.

وقد أخذت العولمة النيوليبيرالية شكل إمبريالية جماعية لأن الشركات العملاقة متعددة الجنسية جعلت مصالح الدول الصناعية الكبرى متشابكة بشكل يفرض عليها البحث عن حلول توفيقية مع منافسيها وتجنب الحلول الفردية. وبالإضافة إلى ذلك فإن ميزان القوى الإقتصادي والعسكري مختل لصالح أمريكا، التي أضحت إمبراطورية عالمية، ممّا غلب الوفاق على التنافس أو التناحر بين الكبار، رغم الخلافات والإستقطابات الظرفية.

ومثلت العولمة النيوليبيرالية هجوما سافرا على الطبقة العاملة والشعوب والأمم المضطهدة. فقد تصاعت وتيرة استغلال العمال والشغالين وسائر الكادحين، عن طريق الترفيع في أنساق العمل وإحالة أجزاء واسعة من الطبقة العملة على الهامشية، في إطار برامج "إعادة الهيكلة" و"تنحيف" المؤسسات أو "نقلها" أين يمكن تحقيق أقصى الرّبح واعتماد "مرونة التشغيل" والأجور المنخفضة، بالإضافة على الزيادة في الأسعار بصورة مستمرة والتضخم المالي والتراجع في المكاسب الإجتماعية... إلخ، وتخلي الدولة عن دورها في الخدمات الإجتماعية والتعليم والبحث العلمي والتشغيل والصحة والثقافة والنقل والتخطيط العمراني،....إلخ.

ومثلت العولمة النيوليبيرالية أيضا هجوما مركزا على الحريات وحقوق الإنسان حيث عمد اليمين واليمين المتطرف، في البلدان الرأسمالية المتقدمة، باسم مقاومة الإرهاب إلى إذكاء العنصرية ضد المهاجرين، وبصورة خاصة ضد العرب، وعلى القيم الإنسانية التقدمية وعلى الإيديولوجيات التحررية التي ألهمت الطبقات المستغلة والمضطهدة في نضالها من أجل تحقيق تحررها السياسي والإجتماعي. وكان هذا الهجوم أشد ضراوة على الإشتراكية، خاصة بعد فشل تجربتها وانهيار أنماط التنمية التي مثلتها في العديد من البلدان، حيث شجعت كل مظاهر الإنحلال القيمي والأخلاقي والمجتمعي، في صيغة تيارات سلوكية وثقافية وفكرية لا إجتماعية بدعوى "الحضارة الكوسموبوليتية"، وهي تيارات تهدد هوية الشعوب الثقافية والقومية وتدفع إلى المجهول.

ومكنت العولمة النيوليبيرالية التيارات الظلامية والفرق الدينية المتعصبة (في مختلف الأديان) من النشاط بكل حرية ورصدت لها المليارات من الدولارات ومن البيترودولارات كي تغرق الطبقة العاملة والشعوب في متاهات التأويلات اللاهوتية لاستغلالها واضطهادها ومآسيها، وفي أتون الصراعات العرقية والعنصرية والدينية، للتمويه على حقيقة التناقضات الطبقية وعلى الصراع الطبقي والوطني. وروجت لمفاهيم رجعية و"تبشيرية" للمواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان بشكل يسمح لها بالتدخل في الشؤون الداخلية للبلدان وفي حق الشعوب في تقرير مصيرها، ويمكنها من استقطاب وتطويع النخب ومكونات المجتمع المدني، بما في ذلك عن طريق التمويل.

ورغم أن الطبقة العاملة والشعوب وجدت نفسها، بعد فشل التجربة الإشتراكية، في حالة من الضياع والحيرة، منجذبة وراء التيارات الرجعية والظلامية، متحصّنة بالعقائد في نضالها الإجتماعي والوطني ومفتونة بالعمل الأقلي والإرهابي الذي تنتهجه بعض المجموعات الإرهابية المتسترة بالدين، فإن العديد من فصائلها التي تتبنى الإشتراكية العلمية تعمل على تطوير الصراع النظري والسياسي ضد الإيديولوجيات والنظريات الرجعية والظلامية من أجل إعادة الإعتبار للفكر الإشتراكي العلمي في تحليل الأشياء والظواهر وفي بلورة مخارج عقلانية للصراع الطبقي والوطني، وفي تعبئة القوى الشعبية في النضال ضدّ النيوليبيرالية وضد التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان والشعوب، من قبل أمريكا وأوروبا، باسم "عالمية حقوق الإنسان" و"مشاريع الإصلاح الديمقراطي"، فنشأت ونمت حركة عالمية مناهضة للعولمة النيوليبيرالية، نظمت العديد من التظاهرات، بمناسبة انعقاد اجتماعات الـ"G8" وبعض لقاءات الكبار الأخرى.

تدفع العولمة النيوايبيرالية بتناقضات النظام الرأسمالي، الطبقية والوطنية وفيما بين القوى العظمى، إلى مزيد من التوتّر والإحتدام، حيث كثرت النزاعات بين الكبار في السياسة الدولية وشهدت جميع البلدان تقريبا نضالات عمالية ضد الإجراءات والسياسات المعادية للطبقة العاملة وأخرى شعبية ضد السياسة العدوانية التي تنتهجها الدول الكبرى حيال الشعوب والأمم المضطهدة.

إن قانون التطور اللامتكافئ يجعل هذه التناقضات بفعلها المتكامل تضعف حلقة أو مجموعة حلقات في سلسلة النظام الرأسمالي تؤهلها للإنفصال، نحو عالم اشتراكي جديد.

وبما أن الطبقة العاملة تبقى، من الزاوية التاريخية، صاحبة مشروع التحولات النوعية القادمة، لذلك تبوأت مقام الناطق باسم جميع الكادحين والشعب، وباسم الوطن، الذي تجاوز في هذه المرحلة من التطور التاريخي حدود قطعة الأرض التي يملكها الفلاح الصغير إلى "القرية العالمية".

إن الطبقة العاملة العالمية، وهي تدافع عن مصالحها الخاصة، أخذت على عاتقها مهمة الدفاع عن مصالح الشغالين، كما أنها وهي تكافح من أجل تحررها النهائي من كل أشكال الإستغلال والإضطهاد، أخذت على عاتقها مهمة تحرير المجتمع الإنساني بأسره، وهي تستعد للتقدم بمشروعها الإشتراكي من جديد، بعد أن تنزع عنه أثقال تجربتها السابقة.

ولكي تلعب دورها التاريخي فهي في حاجة أكيدة إلى بناء أداتها السياسية الأممية المؤلفة من تجمّع الأحزاب والتنظيمات التي تتبنى الإشتراكية العلمية في جميع البلدان.

التحولات العالمية تضع المنطقة العربية في قلب الأحداث

وبما أن الإحتكار أضحى عالميا وأساس الحياة الإقتصادية، في عالمنا المعاصر، فمن الطبيعي أن يبحث عن أسواق واسعة أو يدفع إلى إنشائها، تتجاوز الحدود القطرية الضيقة. وتمثل أوروبا الموحدة ومناطق التبادل الحر حول الأقطاب الثلاثة: أمريكا وأوروبا واليابان، نماذج خاصة لتأقلم العالم الرأسمالي مع أحجام المصالح التي تمثلها الشركات العملاقة متعددة الجنسية.

وفي هذا الإطار يتنزل مشروع "إصلاح الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، القائم على أساس الشراكة بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الموحدة. وبقدر ما تسعى أمريكا وأوروبا إلى الهيمنة على موارد الطاقة والمواد الأولية في المنطقة وتبحث على خدمة مصالحها الوطنية، أصبحت تسعى إلى إنشاء سوق عربية موحدة تتناسب والأحجام العملاقة للشركات متعددة الجنسية، وإدخال تعديلات على نظم الحكم العربية من خلال "دفعها إلى التحديث السياسي"و"إدماج المعارضة الإسلامية المعتدلة في الحياة السياسية" وإعدادها كي تتحول إلى أحزاب تداول على السلطة وإجراء "عقد تاريخي بين التيار الإسلامي الوسطي والتيار العلماني" والضغط بكل الوسائل من أجل ضمان حدود أمنة لإسرائيل وتطبيع علاقاتها مع الدول العربية وإزالة العوائق السياسية والثقافية والقانونية أمام دخولها السوق العربية الموحدة، حال إنشائها، من الباب الكبير.

ولتحقيق هذا الغرض، احتلت أمريكا العراق بالتحالف مع بريطانيا وتحرشت على سوريا وركزت قواعدها العسكرية في دول الخليج والسعودية وفي الخليج والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط. وكثفت إسرائيل هجماتها على الشعب الفلسطيني وشنت حربا على لبنان استدرجت أمريكا بمناسبتها فرنسا كي تأخذ مكانها في المنطقة من خلال الدور الذي ستلعبه في لبنان وسوريا.

وزيادة على ذلك، فقد أصبحت أمريكا تتدخل بصورة نشيطة في الأوضاع السياسية للبلدان العربية، حتى أن سفاراتها تحولت وكأنها تحولت إلى مكونة من مكونات الوضع الداخلي في العديد من البلدان، ونخص بالذكر ما حدث بشأن الإنتخابات الرئاسية والتشريعية في مصر، التي نزلت فيها بكل ثقلها من أجل إشراك الحركة الإسلامية في العملية الإنتخابية، كخطوة في اتجاه تشريع وجودها السياسي.

لقد وضعت التحولات الدولية، مرة أخرى، المنطقة العربية في قلب الأحداث العالمية التي طبعت مطلع هذا القرن. فألقت على كاهل الشعبين العراقي والفلسطيني في مرحلة أولى وعلى الشعب اللبناني في مرحلة ثانية، مهمة كشف حقيقة "مشروع الإصلاح" الأمريكي الأوروبي وادعاءاته حول الديمقراطية وحقوق الإنسان وإظهاره على أنه مشروع هيمني جديد واستعماري بكل ما في الكلمة من معنى، وقصور الأنظمة العربية في الوقوف في وجه التدخل الإمبريالي وأن جبروت دولها توجهه فقط ضد شعوبها لمنعها من مؤازرة بعضها البعض ومن التعبير عن إرادتها بكل حرية ومن تكتيل جهودها في النضال من أجل تحررها السياسي والإجتماعي وتحقيق وحدتها. كما كشفت أيضا عن قصور مكونات من الحركة الديمقراطية واليسارية التي انجرت وراء وهم "التعويل على الدعم الخارجي لإجراء الإصلاحات المرجوة على النظم السياسية العربية" وراء وهم الحملات "التبشيرية" الأمريكية والأوروبية حول الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان.

لقد أصبح الوضع في المنطقة العربية أشدّ خطورة، خاصة أمام كثافة القناع الديني الذي أصبح يغطي المقاومة الوطنية في العراق وفلسطين ولبنان ويخيم على النضال الديمقراطي ضد النظم الدكتاتورية والإستبدادية، لأنه يشوّه النضال الوطني والديمقراطي ويغرقه في أتون الصراع الديني والعقائدي ويزيح كل إمكانية لحلول عقلانية.

فالمنطقة العربية حبلى بالإختلافات المذهبية والدينية والعرقية والثقافية، زيادة على ما تعانيه من اضطهاد قومي واستعماري واستعماري-استيطاني صهيوني ومن هيمنة إمبريالية ونهب لخيراتها. وقد شهدت نزاعات وحروب خلفت آثارا يصعب محوها من الذاكرة الشعبية. وزادها تعقيدا الإرهاب المتستر بالدين، الذي أخذ صفة المقاومة الوطنية في فلسطين والعراق ولبنان ضد الإستعمار الأمريكي والصهيوني، وفي العمليات التي استهدفت العديد من العواصم الأوروبية وعلى الأخص نيويورك، التي أخذت صبغة مناهضة الإمبريالية بصورة عامة وأمريكا بالتحديد.

إن الخلط بين الدين والسياسة يشرع الإرهاب باسم "الجهاد" ويجرّ الشعوب إلى الإعتقاد بأن مآسيها وحرمانها واضطهادها واستغلالها، بلايا "أنزلها الله على عباده المؤمنين" لاختبارهم. وبما أن البلية ربّانية فحلها يكون بالضرورة ربّانيا ويكون على "أيادي عباده الصالحين". وبهذه الشكل يجرد المواطن، من حقه في التقرير في الشؤون العامة، باسم الدين لفائدة "أهل الحل والعقد".

ونستنتج من قراءة الأوضاع في المنطقة العربية أن المسألة القومية وقضايا التحرر الوطني في العديد من البلدان، مازالت مطروحة بكليتها، وأصبحت متشابكة بالتحرر السياسي والإجتماعي للشعوب، مما يتطلب توضيح الإهداف ووسائل تحقيقها.

لقد أخرجت العولمة طرح المسألة القومية من التصورات الرومانسية إلى ميدان الإمكانيات الواقعية، وحدة السوق ووحدة العملة وبرلمان موحد في إطار المنطقة ككل أو في أطر إقليمية حسبما تفرضه التوازنات الدولية بين الكبار. وهكذا أصبح ممكنا للطبقة العاملة والشعوب العربية الخروج من الإطار الجغراسياسي القطري والأفق البورجوازي الضيق لصياغة الوحدة في أفق اشتراكي تتحقق على مراحل تراعى فيها الخصوصيات الوطنية الإتنية والثقافية والتطور السياسي والإقتصادي والإجتماعي والإرتقاء الحضاري.

وتمثل الدولة العلمانية الديمقراطية الإطار الأمثل الذي تتثبت الحقوق الوطنية للشعوب العربية وتتحقق في ظله وحدتها، بقطع النظر عن الدرجة التي هي عليها، وحقوقها السياسية والإجتماعية والإقتصادية وغيرها، باعتبارها بمجرد وجودها كل اضطهاد ديني أو عرقي أو عقائدي وتكرّس حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها وحقها في السيادة الوطنية، وتفتح طريق حلّ شامل لمعضلات المنطقة.

المسألة الديمقراطية

والملامح العامة لبرنامج الحزب الإشتراكي اليساري

أرسى الحزب الحر الدستوري ( التجمع الدستوري الديمقراطي- حاليا) نظام حكم دكتاتوري تراجع فيه عن مبادئ وقيم وآليات النظام الجمهوري التي أعلنها، في 25 جويلية 1957. فقد جعل منه نظام حكم فردي ومن السلطتين التشريعية والقضائية سلطتين تابعتين للسلطة التنفيذية وفي خدمتها، ومن الإنتخابات مجرد تزكية، وأفرغ مفهوم المواطنة والمجتمع المدني من مضمونهما الحقيقي، وهمش المواطن عن المشاركة في الحياة السياسية وفرض عليه العزوف عن العناية بالشأن العام، وعطّل إمكانية التداول على الحكم وأضعف مكانة الدستور من جراء التنقيحات المتتالية المدخلة عليه وإثقاله بقوانين ترتيبية والمحافظة على وجود تشريعات تتعارض مع روحه. وعلى هذا الأساس فإن نظام الحكم القائم يعد عائقا أمام تحقيق الديمقراطية في بلادنا وإقامة نظام جمهوري حقيقي.

وزيادة على ذلك فإن المشروع الإستبدادي المتستر بالدين، الذي تعمل حركة النهضة والحركة الإسلامية عموما على إقامته، يعد خطرا حقيقيا على الحريات والديمقراطية والسلم الأهلية وحقوق الإنسان وتهديدا لمكاسبنا الحضارية والثقافية والإجتماعية، بما يدفع إليه من ردّة عامة في المجتمع ومن تحويل الدين إلى مدار للصراع والفتنة تتخفى وراءه الأغراض السياسية الحقيقية والمصالح الإقتصادية الفعلية ومن تعويض لإرادة الشعب بإرادة "أصحاب الشورى" وإلغاء المؤسسات والمجتمع المدني وتعويضه بأشكال من التأطير العقائدي. وبذلك فهو يمثل عائقا أمام انتقال البلاد إلى الديمقراطية وإقامة نظام جمهوري فعلي.

ويعد المشروع الإستبدادي باسم الدين خطرا جديا لأنه يمثل أيضا أحد محاور "مشروع إصلاح الشرق الأوسط وشمال إفريقيا" الأمريكي- الأوروبي الذي يعمل على تأهيل "الإسلام السياسي المعتدل" كحزب تداول على الحكم، ولأنه يستفيد من الهجوم الشامل الذي تشنه الفضائيات الخليجية على كل ما هو نيّر وتقدمي في ثقافتنا وتراثنا ومكاسبنا، ويستفيد أيضا من محاصرة الحريات وانعدام وجود فضاءات حوار جاد يؤصل مكاسبنا ويحفز الطاقات النيّرة للدفاع عنها ويكشف أمام الشعب المخاطر الحقيقية التي تتهدده.

لقد ارتبكت الحركة الديمقراطية واليسارية أمام حدّة الإستقطاب الثنائي بين السلطة والحركة الإسلامية، وعلى الأخص بعد أن أضحت هذه الأخيرة عالمية وتحظى بمكانة خاصة في مخططات الثمانية الكبار والقوى الرجعية الإقليمية (إيران والسعودية)، ولم تقدر على التقدم بمشروع ديمقراطي بديل متباين مع كل أشكال الدكتاتورية والإستبداد ووقعت تحت تأثير الإستقطاب الثنائي.

ونخلص إلى القول أن المشروع الديمقراطي مازال مطروحا برمته وأن المخاطر الداخلية والخارجية التي تتهدده كبيرة وأن عوائق تشكل البديل الديمقراطي عديدة، لذلك أخذ الحزب الإشتراكي اليساري على عاتقه قضية الديمقراطية والحرية السياسية، باعتبارها سبيلا للتحرر الإجتماعي والوطني والقومي وللإنتقال من الرأسمالية إلى الإشتراكية.

ويعتقد أن تحقيق الديمقراطية في بلادنا مهمة ملقاة على عاتق القوى الديمقراطية دون غيرها. لذلك فهو يعمل على توحيد الحركة الديمقراطية التقدمية كي تتمكن من التقدم أمام الشعب باعتبارها معارضة جدّية للسلطة ومناهضة للمشروع الإستبدادي المتستر بالدين، وصاحبة مشروع جمهوري ديمقراطي قائم على مبادئ وقيم وآليات الديمقراطية.

وتتمثل في:

- فصل الدين عن الدولة وحيادها تجاه المعتقد ورفض توظيف الدين في السياسة من قبل أي كان في السلطة أو المعارضة.

- احترام الحريات العامة والفردية وحرية المعتقد وحقوق الإنسان وضمان ممارستها وحمايتها من الإنتهاك.

- المساواة التامة بين المرأة والرجل وعدم التمييز بين مختلف أفراد المجتمع على أساس الجنس أو العقيدة.

- قيام الجمهورية الديمقراطية على المواطنة الكاملة.

- اعتبار الإقتراع العام المباشر المصدر الشرعي الوحيد للحكم.

- احترام المجتمع المدني باعتباره فضاء للمواطنة والحرية والتعاقد ومجالا من مجالات السلطة المضادة.

- حياد الإدارة تجاه المواطنين بفطع النظر عن معتقدهم وانتمائهم السياسي.

- التداول على الحكم والفصل بين السلطات واستقلالية القضاء على السلطة التنفيذية ومراقبة السلطة التشريعية للسلطة التنفيذية.

ويعتقد الحزب الإشتراكي اليساري أيضا أن الجمهورية الديمقراطية بإمكانها أن تأخذ طابعا شعبيا إذا ما تحمّل اليسار الموحد مسؤولياته التاريخية في تفعيل قطاعات الشعب المنظمة، في الأطر النقابية والجمعياتية التي له فيها تأثير، وفي مساعدته على اقتحام الفضاءات العامة وإشركه بصورة فعّالة في النضال من أجل تحقيقه، خاصة وأن مكتسبات عديدة تحققت في بلادنا دون غيرها من البلدان العربية تتمثل في أن الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة أدخل تغييرات عميقة على الدولة. فقد مرّ بها من النمط الإقطاعي- الإستعماري إلى الجمهورية حيث ضيّق في مجالات تدخل الدين في الشأن العام بإلغاء المحاكم الشرعية وإرساء القضاء المدني الذي يعتمد في التقاضي على منظومة من القوانين الوضعية التي صادق عليها ممثلو الشعب في البرلمان، وإلغاء نظام الحبس، وجعل الزواج والطلاق شأنا مدنيا محكوما بالقانون، وإقرار الإقتراع العام كأساس لنظام الحكم يمكن الشعب من اختيار من يمثله ومن يحكمه وغيرها من الإجراءات التي كان بإمكانها أن تحرر الدولة التونسية نهائيا من تدخل الدين في شؤونها أو من توظيفها للدين، لتصبح دولة سياسية بأتم معنى الكلمة، أي جمهورية ديمقراطية.

لكن إعادة صياغة علاقة الدين بالدولة التي أصبحت توظفه، حيث استغله الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة لأغراض تعبوية ومجاراة العقائد العامة واستمالة الشق المعتدل من رجال الدين ومجانبة الضغوطات التي كانت تمارسها السعودية ومصر على بلادنا، زيادة على التصور الكلياني للدولة- النمط الكمالي- الذي كان يستهوي رئيس الدولة آنذاك، هو الذي مثل عائقا أمام عملية الإنتقال التاريخية إلى الديمقراطية، وجعل الجمهورية تأخذ الشكل الدكتاتوري بدل الشكل الديمقراطي.

لذلك لا يمكن للجمهورية أن تأخذ الشكل الديمقراطي إلا إذا جعلت من العلمانية واللائكية أساسا من الأسس التي تقوم عليها.

فالعلمانية باعتبارها رؤية للعالم والظواهر والأشياء والمجتمع والدولة، تحتكم إلى العقل، فهي ليست سياسة أو أداة تنفيذ سياسة سلطة أو دولة ما، كي تقرن بالقمع والدكتاتورية والإستبداد والإستعمار والإمبريالية. والشأن نفسه بالنسبة للائكية، التي تعني فصل الدين عن الدولة وفصل الشأن العام عن الشأن الخاص.

إن الدولة العلمانية، التي تحقق فيها فصل الدين عن الدولة، تشيع حرية المعتقد لأنها تعتبره شأنا خاصا، تحترمه وتصونه، وهي محايدة تجاه جميع العقائد وتحجر استغلالها كما تحجر توظيف المساجد والجوامع ودور العبادة في السياسة. أما الدولة الدينية فهي تعطي الحرية لعقيدتها وتمنعها عن بقية العقائد، بحكم منطق العقيدة نفسه، القائم على التكفير والإنفراد بالحقيقة المطلقة، الحقيقة الربانية، ويكفي أن نشير إلى الدول الإسلامية التي ساست البلدان العربية والإسلامية لمدة 14 قرن.

الملامح العامة لبرنامج الحزب الإشتراكي اليساري

(1)

إن الحزب الإشتراكي اليساري يتبنى الإشتراكية العلمية ويناضل في سبيل مجتمع اشتراكي يضع حدا للإستغلال والإضطهاد الطبقيين.

فالإشتراكية باعتبارها نظاما إنسانيا قائما على العدالة الإجتماعية والديمقراطية والتقدم والرقي ويمثل أرقى ما وصلت إليه الإنسانية، على جميع الأصعدة، تتطلب مقومات وأسسا وقدرات ووسائل متفوقة على الرأسمالية من كل وجه، سواء من زاوية تأمين الوفرة والرخاء أو الإرتقاء الثقافي والعلمي والمعرفي والحضاري والسياسي والإجتماعي، من أجل إشباع حاجات الإنسان المادية والروحية، تطبيقا لشعار :

"من كل حسب قدرته ولكل حسب عمله"

لكنها تبقى عاجزة على التخلص من عدم المساواة في توزيع مواد الإستهلاك التي تظل خاضعة "للتوزيع حسب العمل".

ولمّا تتعاظم الثروة الإجتماعية بشكل تصبح معه الوفرة معطى واقعيا ويتطابق نمط تملك وسائل الإنتاج والثروة مع الطابع الإجتماعي للعمل والإنتاج وتصبح قوى الإنتاج تتطور باطراد دون عائق يذكر، عندها فقط، يمكن للإنسانية أن تتجاوز الأفق المحدود للحق البورجوازي ويمكن للمجتمع أن يكتب على يافطته:

"من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته".

وفي ظل الإشتراكية تتحول الدولة، بهيئاتها العليا والمحلية، تحويلا جذريا على أساس مبادئ وقيم وقواعد تمكّن من "انتقال السلطة إلى الجماهير الشعبية بالذات التي تنشئ قوتها بالذات"، كي تجعل منها "الشكل السياسي لتحررها الإجتماعي" ولتحرر المجتمع ككل. ويتحقّق هذا الإنتقال عن طريق الإقتراع العام وسحب الثقة من أي موظف في الدولة لم يعد يحظى بثقة منتخبيه وإشاعة التداول على المسؤولية في كل المستويات وخضوع الهياكل التنفيذية للهياكل التمثيلية وتحديد أجر للموظفين يساوي أجر العامل والإقرار باستقلالية محلية أكمل ما يمكن وتحويل الجيش إلى جيش شعبي والأمن إلى مشمولات الهيئات المحلية المنتخبة على أن يخضع موظفوه لسحب الثقة في أي وقت. وتمثل هذه المبادئ والقيم والآليات اتجاه الديمقراطية الأكمل، والضامن لتمشي عقلاني وواقعي في وضع المخططات الإقتصادية والإجتماعية والثقافية...الخ.

(2)

إن الحزب الإشتراكي اليساري يعتبر نفسه فصيلا من فصائل الطبقة العاملة في تونس وفي العالم ومكوّن من مكوّنات حركتها الإشتراكية الأممية، لذلك فهو يعمل على توحيد اليسار، باعتبار أن وحدته هي التي تخوّل للطبقة العاملة والجماهير الكادحة دخول المسرح السياسي وتجعل منه ممثلها السياسي الفعلي، ولذلك فهو يجعل من برنامج اليسار الموحد برنامجه المرحلي، باعتباره يعبر عن مصالح الطبقة العاملة والشعب الكادح، ويضع على يافطته النضال في سبيل الإشتراكية كهدف استراتيجي ويأخذ على عاتقه انتقاليا إنجاز المهمة الديمقراطية- الوطنية على الوجه الأكمل والأتم.

ولكي يضع للجمهورية أسسا ثابتة، لا بد من أن تضمّن المبادئ والقيم والأسس والآليات، التي تجعل منها ديمقراطية فعلا، في دستور جديد يفتح عهدا جديدا أمام الشعب التونسي، عهد الحرية والعدل والتقدم والإرتقاء الحضاري. ومن أجل تحقيق هذا الهدف لا بدّ من مرحلة انتقالية يدرك خلالها الشعب التونسي الفرق بين مختلف المشاريع المعروضة عليه ويختار بوعي ومسؤولية من يحكمه ومن يمثله.

البرنامج الإنتقالي

وانتقاليا يناضل الحزب الإشتراكي اليساري، في إطار تحالف ديمقراطي تقدمي واسع، من أجل تحقيق إجراءات عاجلة تمكن الشعب من المشاركة في الحياة السياسية ومن التعرف على مختلف المشاريع المجتمعية ومشاريع النظم السياسية المعروضة عليه، كي يضمن حصول نقلة نوعية في المجتمع ككل وليس لدى النخب أو جزء منها فقط.

وتتمثل هذه الإجراءات العاجلة في:

أ- إصدار قانون عفو تشريعي عام يعيد الإعتبار لأصحاب الرأي بمختلف أجيالهم وللسياسة مكانها في المجتمع بإخراجها من دائرة التجريم.

ب- تحرير الحياة السياسية وتمكين الراغبين في تكوين أحزاب وجمعيات وإصدار دوريات وبعث وسائل اتصال، على أساس مدني، من ذلك.

ج- فصل جهاز الحزب الحاكم عن أجهزة الدولة وفي المقام الأول عدم تحمل رئيس الدولة مسؤوليات حزبية، وضمان حياد الإدارة تجاه المواطنين والأحزاب والجمعيات، وجعل الحكومة مسؤولة أمام مجلس النواب

د- إزاحة القوانين التي تعطل ممارسة الحريات وإحداث أخرى تضمنها وتحميها من الإنتهاك.

هـ - تنقيح المجلة الإنتخابية بما يضمن حق الترشح والإنتخاب ويرفع عن العملية الإنتخابية تحكمية الإدارة وهيمنة الحزب الحاكم، ومنها إلغاء نظام القائمة الأغلبية وتعويضه بالتمثيلية النسبية وإلغاء نسبة المقاعد المخصصة للمعارضة وإعادة الإعتبار للإقتراع العام الحر والمباشر كوسيلة يعبر بها الشعب التونسي عن إرادته ويختار من يمثله ومن يحكمه وتجريم كل تزوير وتلاعب بالإنتخابات.

و- احترام حرية المعتقد، على أن تكون الدولة محايدة تجاه المعتقد، وأن يحجر توظيف الدين والمساجد والجوامع وبيوت الصلاة في السياسة من قبل أي كان في السلطة والمعارضة.

ز- إنشاء مجلس دستوري يتألف من قضاة ورجال قانون وشخصيات مشهود لهم باستقلاليتهم عن الحزب الحاكم، يتظلم لديه المواطنون والشخصيات المعنوية، ويشرف على صياغة القوانين الخاصة بهذه المرحلة الإنتقالية.

ص- تحرير الإعلام ورفع يد الحزب الحاكم والسلطة التنفيذية عليه وتخليصه من الدور الدعائي الذي فرض عليه، كي يتحمل رسالته في إيصال الخبر والمعلومة وفي نشر قيم العدل والحرية والتآخي بين الشعوب وإلغاء كل أنواع الرقابة عليه وحل وكالة الإتصال الخارجي وتعميم الدعم لدوريات الرأي.

ع- مراجعة الإختيارات الإقتصادية والإجتماعية في اتجاه بناء اقتصاد وطني يلبي حاجيات السوق الداخلية في إطار من التكامل المغاربي والعربي والتعاون الإقليمي والعالمي على أساس التكافؤ، ويحمي الشغالين والكادحين من الإهتراء المادي والمعنوي ويفتح أفاق التشغيل أمام الشباب.

ف- ضمان الشفافية في المعاملات وفي علاقة الإدارة بالمواطن في علاقة المجتمع السياسي بالمجتمع ومقاومة سوء التصرف والمحسوبية والجهوية.

س- اعتبار التربية والتعليم والبحث العلمي قطاعا استراتيجيا تقوم عليه نهضة الشعوب وبه تحقق الأمم والبلدان تنميتها الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والحضارية، لذلك على الدولة تحمل مسؤوليتها من أجل ضمان إجبارية ومجانية التربية والتعليم واعتماد الكفاءة في التعليم العالي والبحث العلمي ورفع مستوى التأطير الجامعي، وإجراء إصلاح شامل للمنظومة التربوية والتعليمية بما من شأنه أن يضع حدا للإرتجالية ويعطي للعقلانية مكانتها ويعيد الإعتبار للشهائد العلمية.

ق- الدفاع عن المكاسب الحضارية والإجتماعية والثقافية للمجتمع التونسي وعلى الجانب النير والعقلاني من التراث العربي والعمل على تطويره والإرتقاء به إلى المستوى الذي بلغته الإنسانية من تطور وتقدم وفتح المجال للثقافة الشعبية والتقدمية كي تنتعش وتأخذ مكان الصدارة في مخططات السلطة والتخلّي الواضح على دعم الثقافة ذات المضامين الهابطة والرجعية، والتفاعل الإيجابي مع الثقافة التقدمية العالمية.

م- تعديل السياسة الخارجية في اتجاه مساندة قضايا التحرر الوطني والإجتماعي في العالم والنضال ضدّ الصهيونية والهيمنة الإمبريالية، ومناصرة الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني في نضالهما ضد الإستعمار الإستيطاني والعنصري الإسرائيلي، والشعب العراقي في حربه التحررية ضد الإستعمار الأمريكي- البريطاني، وعامة الشعوب العربية من أجل تحررها القومي وبناء وحدتها وضد الهيمنة الإمبريالية.

المحاور البرنامجية للمرحلة الراهنة

-1 من أجل جمهورية ديمقراطية

إن الحزب الإشتراكي اليساري، الذي يضم جهوده إلى الحركة الديمقراطية، من أجل تغيير ديمقراطي فعلي، يعمل على أن يكون للشعب في هذا التغيير الدور الحاسم والفعال كي يتمكن من تحرير المجتمع بأسره لمّا يحقق تحرره من الإستغلال والإضطهاد.

ولتحقيق هذا الهدف، يناضل من أجل أن يتضمن دستور الجمهورية الديمقراطية ما يلي:

- أن يكون، الإقتراع العام الحر والمباشر، الوسيلة التي يعبر بها الشعب عن إرادته ويختار من يحكمه ومن يمثله، والمصدر الشرعي الوحيد للسلطة، وذلك بإخضاع كل هيئات التسيير والمسؤوليات للإنتخاب وسحب الثقة، وجعل السلطة التنفيذية تحت مراقبة السلطة التشريعية، وأن تكون المؤسسات التمثيلية مؤلفة على قاعدة التمثيلية النسبية حتى تساعد على إشراك كل القوى والفئات في الحوار والتسيير والقرار.

- تحجير الترشّح، للمسؤولية أو التمثيل البلدي أو الولائي أو النيّابي، لأكثر من دورتين متتاليتين، بما في ذلك رئاسة الجمهورية.

- ضمان الحريات العامة والفردية وحقوق الإنسان واعتبارها غير قابلة للنقض.

- الفصل بين السلطات واستقلالية القضاء.

- التنصيص على علوية الدستور وتمكين القضاة من حقّ إزاحة القوانين التي لا تتماشى مع روحه.

- إلغاء القوانين غير الديمقراطية وتعويضها بأخرى تحمي الحريات وتضمن ممارستها.

2- بناء اقتصاد وطني تضامني

ويناضل من أجل أن تكون لسلطة الجمهورية الديمقراطية اختيارات اقتصادية قادرة على تمكين الإقتصاد الوطني من أساس ثابت يقوم عليه، وذلك عن طريق:

أ- استعادة الدولة لمكانتها الإقتصادية من خلال حماية وتطوير القطاعات الإستراتيجية العمومية وتشجيع الرأسمال الوطني على الإستثمار ولعب دوره في التنمية، كي يصبح قادرا على المساهمة في تلبية حاجيات السوق الداخلية وحاجيات الشعب.

ب- التنمية المستقرة التي لا يمكن تحقيقها إلا في إطار إقليمي بين الدول المغاربية وفي إطار تعاون عربي وعالمي قائم على التكافؤ والسيادة الوطنية على الثروات والإختيارات.

ج- تنمية الإدخار الوطني والتعويل عليه في الإستثمار والتحرر من كابوس المديونية بحيث لا يجري التوجه للسوق المالية العالمية وللإقتراض إلا عند الضرورة وبعد دراسة دقيقة.

د- اتباع سياسة ضريبية تصاعدية على الدخل والثروة وتوظيف أداءات خاصة على المواد الكمالية والبذخ.

هـ- ضبط خطط اقتصادية تحقق التوازن بين الجهات في التنمية وتدفع إلى تطوير الإمكانيات الخاصة للإقتصاد الوطني بدل الإلتجاء إلى التوريد.

و- تطوير الفلاحة وعلى الأخص في قطاعات الإستهلاك الشعبي بما يضمن الإكتفاء الذاتي.

ز- حماية النسيج الصناعي الوطني من التفكك.

ص- ربط العلم والتكنولوجيا بكافة فروع الإقتصاد، وضبط خطة لتطوير اقتصاد المعرفة.

ع- تدخل الدولة في تجارة الجملة الداخلية عبر الدواوين وفرض أسعار احتكارية على الخواص ومراقبة تجارة التفصيل، واحتكار التجارة الخارجية للمواد الإستراتيجية.

3- اختيارات اجتماعية تحمي مصالح الشغالين والشعب الكادح

يدافع الحزب الإشتراكي اليساري على أن تكون اختيارات الجمهورية الديمقراطية في خدمة مصالح الشغالين والشعب الكادح، وذلك بـ:

أ- تحميل الدولة مسألة تأمين التشغيل للشباب، في المؤسسات العمومية وشبه العمومية والخاصة، وحماية الشغالين من الطرد التعسفي.

ب- جعل الأجور تتناسب والمجهود الذي يبذله الشغالون من أجل تنمية الثروة الوطنية، وتحسين ظروف عيش الكادحين، والتحكم في الأسعار كي لا تؤثر سلبا على مقدرتهم الشرائية (ربط الأجور بالأسعار).

ج- ضمان الحق النقابي للشغالين وحق باقي الفئات في تنظيمات مهنية تدافع عن مصالحهم.

د- تطوير المكاسب الإجتماعية للمرأة وإزالة مظاهر الميز بينها وبين الرجل ووضع حد لكل مظاهر التسلط والعنف والإمتهان التي تستهدفها.

هـ- تمكين العاطلين عن العمل والمعوزين من جراية تحمي كرامتهم وتضمن لهم حدا أدنى معاشيا.

و- مقاومة المظاهر الجديدة للتشغيل ومن ضمنها المناولة.

ز- إقرار نظام موحد للضمان الإجتماعي والمنح العائلية ومنحة الأجر الوحيد، بما يساعد العائلات الكادحة على توفير ظروف لائقة لتربية أبنائها ورعاية أفرادها وصيانتهم إجتماعيا.

ص- إقرار نظام موحد للتأمين على المرض بما يساعد الطبقات الشعبية على علاج جدي ورعاية صحية جيدة لا تقل شأنا عن التي يتمتع بها غيرهم من الميسورين مع توسيع مجالات الإستشفاء العمومي.

ع- العناية اللازمة بالبيئة والمحيط من أخطار التلوث بمختلف أشكاله لضمان محيط حياتي سليم للسكان.

ف- التصدي للمضاربة على الأكرية والحد من أسعارها المشطة وعلى الأراضي الصالحة للبناء وفرض تهيئة عمرانية وبنية تحتية إستراتيجية وفرض المناطق الخضراء اللازمة وحماية الأراضي الفلاحيّة من الزحف العمراني . . .إلخ.

س- العناية بالمهاجرين باعتبارهم مواطنين تونسيين لهم نفس الحقوق والواجبات كغيرهم من المواطنين بما في ذلك تمكينهم من التمثيل النيابي ومساعدتهم على الإندماج في البلدان المضيفة أو العودة إذا قرروا ذلك، ومساعدة الذين هاجروا بصورة غير شرعية على تسوية وضعياتهم وعدم تركهم عرضة للمساومات المهينة والتشغيل غير الإنساني.

4- تعليم ديمقراطي علماني

ويعتبر أن التربية والتعليم والبحث العلمي قطاع استراتيجي تقوم عليه نهضة الشعوب وبه تحقق الأمم تنميتها الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والحضارية وبه تتأهل لحياة سياسية متحضرة ومتطورة، خاصة وأن ثورات علمية وتكنولوجية واتصالية ومعلوماتية، شهدتها العشرية الأخيرة من القرن الماضي ومطلع القرن الحالي، أشاعت المعرفة وحولتها إلى مجال مفتوح أمام الشعوب للإستفادة منها، لذلك يحرص على أن تعمل الدولة على أقلمة اختياراتها الإقتصادية والتعليمية مع مقتضيات التنمية الحديثة وإزالة العراقيل التي تقف حائلا أمام حرية الإبحار وتلقي المعلومة عبر الشيكة وتشجيع المواهب على مواكبة الإكتشافات والإبتكار. لذلك تعمل على:

أ- مراجعة منظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي بما يخدم مصلحة الشعب والوطن.

ب- إحداث هيكل وطني لمعالجة قضية الترابط بين منظومة التكوين والتعليم والتشغيل.

ج- تعميم التعليم وجعله مجانيا في جميع المراحل.

د- إعادة الإعتبار لمكانة التعليم في المجتمع وللشهادات العلمية قيمتها وللجامعة موقعها المتميز كمركز للعلم والمعرفة والثقافة والبحث العلمي.

هـ- وضع التربية والتعليم على أسس تشيع في الشباب والمجتمع روح العقلانية والإلتزام المدني.

و- إدماج التكوين العلمي والمهني في منظومة موحدة مع تشجيع الإختصاص المبكر.

ز- تحسين التأطير من خلال الرفع من عدد المؤطرين ومن درجة مؤهلاتهم العلمية إلى مستوى المقاييس العالمية وتحسين أوضاع رجال التعليم وفتح الآفاق أمامهم كي يوظفوا كل جهدهم في العناية بالناشئة، وتشجيع البحث العلمي بما يؤهل بلادنا لتحقيق استقلاليتها المعرفية.

5- ثقافة شعبية وتقدمية

وبما أن الثقافة تكوّن الوجدان العام للشعب وتمثل الإطار الإيديولوجي العام الذي يحدد هويته فإن الحزب الإشتراكي اليساري يعمل على إعطائها بعدا شعبيا وتقدميا متأصلا في النيّر والعقلاني من تراثنا ومن التراث العالمي، وجعلها متمايزة مع المضامين الهابطة والرجعية والظلامية، حتى تكون في خدمة الشعب والوطن. لذلك فهو يناضل من أجل:

أ- أن تأخذ الدولة على عاتقها مشروع إرساء ثقافة شعبية وتقدمية.

ب- خلق مناخ يحترم ويشجع حرية الفكر والإبداع ويلغي كافة أشكال الرقابة.

ج- فتح مجالات دائمة للحوار عبر "المجالس الثقافية" في كافة المستويات المحلية والجهوية والوطنية، مألفة من هيئات ممثلة لأهل الفكر والثقافة والفن.

د- رصد وجمع وإحياء وترميم وصيانة تراثنا العريق.

هـ- وضع بنية أساسية تتلاءم والعصر، طبقا لخريطة ثقافية وطنية، تتوافق مقاييس اليونسكو.

و- دعم الصناعات الثقافية والكتاب على وجه التحديد وتشجيع السينما والمسرح.

ز- دعم التكوين الفني والثقافي وتشريك أهل الإختصاص في إعداد الخطط الخاصة لذلك.

ص- تشجيع الإعلام الثقافي وفتح المجال أمامه في المؤسسات الإعلامية العمومية.

ع- ضمّ العاملين في حقل الأدب والثقافة والفن إلى صناديق الضمان والحيطة الإجتماعية والتأمين على المرض.

6- سياسة خارجية مناهضة للإمبريالية والصّهيونية

إن التحول الديمقراطي، الذي يناضل في سبيله الحزب الإشتراكي اليساري إلى جانب القوى الديمقراطية والطبقة العاملة والشعب، من شأنه أن يضع بلادنا في موقع مناهض للهيمنة الإمبريالية والصهيونية ومناصر لقضايا التحرر الوطني والإجتماعي، وأن يعزز مكانتها بين الشعوب، عبر الأنموذج الحضاري الذي تقدمه كنمط منصهر في العقلانية والنير من التراث الوطني والعالمي وفي التحرر الإجتماعي والسياسي وفي مبادئ وقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.

وبالنظر للتحولات الكبرى التي شهدها منذ مطلع العشرية الأخيرة من القرن الماضي، يتحتم على بلادنا الإندماج في مشروع بناء مغاربي يخدم مصلحة الشعوب والبلدان المكونة له، ويكون قادرا على التعامل مع التكتلات الإقتصادية الكبرى والجيوسياسية. وينبغي على بلادنا أن تسهم أيضا في التقارب العربي على أساس المصالح المشتركة لجميع الأقطار، وفي إيجاد الحلول الملائمة للأوضاع الخطيرة التي تعيشها المنطقة العربية.

كما ينبغي أن تقوم، علاقات بلادنا الدولية، على علاقات التكافؤ مع مختلف الأطراف وعلى احترام السيادة الوطنية واستقلالية القرار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وعلى التعاون مع القوى الديمقراطية وعلى مناصرة قضايا التحرر في العالم والقضايا العادلة وعلى مناصرة نضال الشعوب العربية ضد العدوان الإمبريالي والصهيوني في كل من العراق وفلسطين ولبنان، من أجل تحقيق تحررها الوطني، وعلى مناهضة الهيمنة الإمبريالية على كافة شعوب المنطقة العربية التي تقف في وجه وحدتها.

وعلى هذا الأساس فإنه يناضل من أجل دعم التضامن الأممي بين العمال والشعوب والأمم المضطهدة ويعمل تبعا لذلك على تمتين روابطه بالأحزاب اليسارية والتنظيمات الشعبية لمناهضة العولمة النيوليبيرالية.

تونس في 25 أكتوبر 2006

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire